جديد 4E

فـَـــنّ الحـــــذاء

يحيى زيدو

كتب : يحيى زيدو

إنـَّــهُ الحِـــــذاءُ إذن..

” ماذا يهمني إذا كانت الحرب دائرة في مكانٍ ما، وأنا لا أجد فردة حذائي؟!”.

هكذا كتب الراحل (محمد الماغوط) ذات مرة.

– إنه الحذاء إذن..

لا أحد يستطيع الاستغناء عنه، فهو أول ما يلفت نظر المرأة في أناقة الرجل.

– المرأة بدورها تستمتع بشراء واقتناء الأحذية، فلكل توقيتٍ، ومكانٍ، ومناسبةٍ يجب أن يكون هناك حذاء مناسب.

ولكل حقيبةٍ، ولكل ثوبٍ حذاء خاص أيضاً.

— كتبت الصحف أنه بعد مقتل ديكتاتور الفيلبين (فرديناند ماركوس) تم العثور على مئة ألف زوج من الأحذية غالية الثمن، المرصعة بالأحجار الكريمة عند زوجته (إيميلدا) التي صارت فيما بعد رئيسة الفيلبين.

سندريلا والأمير

– في التراث العربي نقرأ حكاية (حذاء الطنبوري) التي استلهم منها الأديب التركي (عزيز نيسين) عدة قصص ساخرة. كما نقرأ عن حذاء (سندريلا) الذي أوصلها إلى قلب الأمير لاحقاً.

– و في المدرسة كان المدرس يمازح الطالب بالقول: اجلس بحذاء زميلك.. كنوعٍ من التورية التي تحتمل تواطؤ المعاني.

لوحة لفان كوخ

– في الفن، فإن لوحة “الحذاء” للفنان الهولندي (فان غوخ) غدت علامة فارقة في تاريخ الفن التشكيلي.

– في التراث العربي، كتابات كثيرة في وصف حذاء النبي، جمعها (المعري التلمساني) في كتاب بعنوان:” فتح المتعال في وصف النعال – وصف نعال النبي(ص)”.

و لعل أبرز ما يفاخر به المتحف السعودي اليوم حذاء مؤسس مملكة آل سعود (عبد العزيز)، و هو حذاء تم تدبيج القصائد في وصفه.

– و لم يغفل الشاعر العراقي (مظفر النواب) في قصيدته «وتريات ليلية» عن الحذاء، فكتب:

“و ما قابوس بأحسن من أبيه.. فكان أن تسامح بلبس النعل، و ارتداء النظارات.. فكان ان اعترفت بمآثره الجامعة العربية..”.

– تروي وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (هيلاري كلينتون) في مذكراتها حكاية عن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين)، ملخصها:

خلال الحرب العالمية الثانية، حصل جندي روسي على إجازة قصيرة، و حين وصل إلى مدينة سان بطرسبورغ (لينينغراد سابقاً ) وجد شاحنة محملة بالجثث بسبب غارة لدول المحور على المدينة. وعندما وقع نظر الجندي على “حذاء” نسائي تذكر أنه اشترى مثله لزوجته، وبدلاً من أن يذهب إلى البيت، طلب الجندي التأكد من جثة صاحبة الحذاء ليكتشف أنها زوجته بالفعل. فيطالب، حينها، أن يأخذها ليدفنها لأنه لا يريد أن يدفنها في مقبرة جماعية، وحين يحملها يكتشف أنها ما تزال على قيد الحياة .. فيأخذها إلى المشفى، وتتم معالجتها، ثم تشفى، وبعد عامين تنجب ابنها (فلاديمير) الذي سيصبح أهم رئيس لروسيا في التاريخ الحديث.

– في العام 1960 و أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة ألقى رئيس الوزراء الفلبيني خطاباً تصعيدياً ضد الاتحاد السوفياتي و ذلك بتكليف من الإدارة الأمريكية آنذاك، وعندما حان دور الرئيس السوفياتي (نيكيتا خروتشوف) بالكلام، صعد إلى المنصة، ثم خلع حذاءه ووضعه على المنصة وغادر القاعة. وعندما سئل(خروتشوف) لماذا فعل ذلك؟ أجاب: “بعد مدة سينسى العالم ما قاله أعداءنا لكنهم سيتذكرون حذاء الرئيس السوفياتي”.

– في العراق قام صحفي مغمور يدعى (منتظر الزيدي) برشق الرئيس الأميركي (جورج بوش الابن) بحذائه، بينما كان ( بوش) يتحدث في مؤتمر صحفي في بغداد إلى جانب رئيس الوزراء العراقي آنذاك (نوري المالكي) ، نسي

منتظر الزيدي

الناس كلام (بوش)، و (المالكي)، و مازالوا يتذكرون الحذاء الذي أصبح رمزاً لرفض العراقيين للاحتلال الأمريكي، و صار “الحذاء” أكثر شهرة من راشقه ، بل إن (الزيدي) لا يُعرَّف عنه إلا بالارتباط بهذه الحادثة.

– في سورية، اكتسب حذاء الجندي السوري رمزيات متعددة خلال الحرب.. و ظهرت أغانٍ و قصائد تمجِّد هذا الحذاء

برمزيته التي تقدس الدفاع عن الوطن. كما تم وضع نصب تذكارية لحذاء الجندي السوري في كثير من الساحات العامة في عدد من المدن السورية، وتم زرع الأزهار في الحذاء، كما تم صنع مجسمات له كأعمال فنية.

– و غالباً ما تتم مقارنة الحذاء باللحية كناية عن التحقير.

وعندي أن أي حذاء، وليس فقط حذاء الجندي السوري، أشرف وأقدس من كل لحى وعمائم حكام الخليج و شيوخهم، فرادى ومجتمعين.

– لماذا نتحدث عن الحذاء باحتقار مع أننا لا نستطيع أن نمشي بدونه؟

– لماذا نحتقر الحذاء، ثم نتكلف في إعطائه رمزيات متعددة، ونتفنن في صناعته، ونتنافس على اقتناء الثمين منه؟

لماذا نعمد إلى تجاهل الانسان الذي يصنع الحذاء، ونكتفي بالصناعة دون الصانع؟

في هذه الحرب كم تضاءلت أحلامنا..

صار الحذاء حلماً..

ولدنا حفاة..

و ما زالت أحلامنا تنشد الحذاء.