جديد 4E

سردة … من كهف إلى كهف

 

معن حيدر :

+في يوم ربيعي مشمس وفي كهف قابع في أعماق التاريخ، أفاقتْ من النوم وألقتْ نظرة إلى طفلها الذي لايزال يغطّ في نومه.

أطلّتْ من باب الكهف فرأتْ منظرًا بديعًا يحبس الأنفاس، الأشجار والأزهار والوادي والنهر والفراشات والطيور، وعندما التفتتْ وجدتْ جارتها تجلس أمام كهفها على حجر، فحيّتها وتبادلتا بعض الأحاديث عن زوجيهما اللذين غادرا منذ مدّة في رحلة صيد وتموين للعائلتين.

دلفتْ عائدة إلى كهفها، وكانت السعادة تملأ روحها، فتناولتْ من الموقد قطعة من الفحم وبدأتْ تخطّ على جدار الكهف رسومًا تصف فيها ذلك المنظر البديع لكي تُرِيه لزوجها عندما يعود.

كهوف ومغاور يبرود

((نُمي إليّ أنّ الكهف كان في جبال يبرود التي تعدّ إحدى أقدم المدن المسكونة منذ فجر الإنسانية، وأنّ جارة المرأة كانت تشرب المتة وهي جالسة على الحجر أمام كهفها)).

وبدأت الحكاية:

***

-فبعد فترة استخدم إنسان آخر الحجر لنقش رسمة على جدار كهفه.

-و صنَع آخر مزيجًا من الأحجار الملوّنة والفحم ودم الحيوانات والتوت البرّي، وطحنَه وعجنَه بالدهون الحيوانية، ولوّن به ما رسمه على الجدار.

-وبعد ذلك بقليل استخدم رجل سُعف النخيل المشقوق للرسم والتلوين، ثم صنع آخر فرشاة من شعر الحيوانات، وآخر صنعها من ريش الطيور.

-ومرّ زمن طويل قبل أن يصمّم أحدهم لوحة الرسم القماشية، في مطلع العصور الوسطى.

-وبعدها قام برسم الطبيعة الخلّاقة التي كانت تحيط به وهو يجلس في حديقة كوخه الريفي الصغير، مستخدمًا الريشة والألوان الزيتية على لوحة الرسم القماشية.

***

-ومضتْ عقود، وبفضل التقدّم في عِلْمي الكيمياء والبصريات، اختُرِع التصوير الفوتوغرافي Photography

أو الرسم بالضوء، فالكلمة Photograph مشتقّة من اليونانية من كلمتي “الضوء” و “الرسم”.

منظر من النافذة في لوغرا

-في عام 1826 التقط الفرنسي جوزيف نيسفور نيبس أول صورة فوتوغراف، وسمّاها:

(منظر من النافذة في لو غرا).

-في عام 1861، ظهر التصوير الفوتوغرافي الملوّن. عندما قام الثنائي جيمس كلارك ماكسويل وتوماس ساتون بالتقاط صورة ثلاث مرات باستخدام مرشحات حمراء وخضراء وزرقاء، ثمّ تجميعها بصورة نهائية كاملة الألوان.

++يحتاج التصوير الفوتوغرافي إلى كاميرا وفيلم (ورق تصوير حساس للضوء) وجهاز طباعة أو تظهير وورق طباعة (نسميه الصورة).

***

-ولم يمرّ وقت طويل حتى اختُرعت السينما، ويقوم مبدؤها على تحريك الصور بسرعة 24 صورة بالثانية، بالاعتماد على خاصية الرؤية في العين التي تقول إن دوام الصورة في العين يستغرق 1/ 16 من الثانية، وبالتالي يلزم أنْ تكون سرعة الحركة أكبر من هذا الوقت حتى تستطيع تمييز صورتين متتاليتين.

السينما مأخوذة من الفرنسية Cinématographe وهي مشتقّة جزئيًا من كلمة الكينيما اليونانية، وتعني الحركة. وأصبحت تعني فيما بعد دار العرض نفسها.

-في عام 1888، قام الفرنسي لوي لو برين بتقديم أول فيلم صور متحرّكة تم التقاطه على الإطلاق مدّته (2.11) ثانية، أطلق عليه اسم (منظر من حديقة راونداي) لأربعة أشخاص يمشون في حديقة منزل أهل زوجته في ضاحية راونداي، بالقرب من ليدز في بريطانيا.

++يحتاج التصوير السينمائي إلى كاميرا وفيلم التصوير وجهاز طباعة وفيلم العرض وجهاز العرض وشاشة.

-بشكل تجاري قدّم الأمريكي توماس أديسون جهاز عرض سينمائي Kinetoscope عام 1893.

-ولكن الأخوين لوميير كانا أوّل من قدّم الصور المتحركة للجمهور في صالة عرض في باريس عام 1895.

***

مخترع التلفزيون

-وبعد اختراع الكهرباء، جاء التلفزيون في وأوائل القرن العشرين (1927)، ويقوم على مبدأ تحويل الصورة إلى تيار الكتروني.

-إلّا أنه لم ينتشر بشكل جماهيري واسع إلّا بعد الحرب العالمية الثانية,

-وفي الخمسينيات تم اختراع التلفزيون الملوّن.

-ثم جهاز التسجيل المرئي.

-ثم جهاز التليسينما الذي يقوم بتحويل الأفلام السينمائية إلى تلفزيونية (تحويل من بصري إلى إلكتروني).

-وفي مطلع السبعينيات من القرن الماضي اختُرعت الكاميرا التلفزيونية المحمولة.

-ومن هنا بدأتْ المنافسة الحقيقة بين التلفزيون والسينما.

-ثم مع تطوّر التقنيّات واختراع الدارات المتكاملة IC والانتقال إلى التقنيّة الرقميّة.

واختراع الكومبيوتر ثم الإنترنت.

تطوّرتْ تقنيّاتْ التلفزيون ومواصفاته وتطور أداؤه بشكل مذهل.

-وحدث تزاوج بين التلفزيون والاتصالات.

فظهرتْ الأجهزة المحمولة الذكيّة: الموبايل والأجهزة اللوحية

-وجلبتْ معها وسائل التواصل بأشكالها كافة: الفيس بوك والواتس والانستغرام واليوتيوب والتيك توك والسناب شات والتويتر…

++وبينما كان التلفزيون يحتاج إلى كاميرا وجهاز تسجيل وجهاز مونتاج وجهاز عرض (أو: جهاز إرسال وجهاز استقبال) وشاشة، أصبح الموبايل، وهو بحجم كف اليد، يقوم بهذه العمليات كلّها: التصوير والتسجيل والمونتاج والعرض والإرسال والاستقبال والشاشة.

 

 

-فإذا كان ذلك الكهف، في العصور الحجرية السحيقة، دخله الناس مُجبَرين اتقّاء لتقلبات الطبيعة وأنتجوا منه الحضارة، يصبح السؤال الملحّ الآن: أين سيودي بنا هذا الكهف، في عصرنا الراهن، وقد دخلناه طائعين صاغرين طامعين ولم نعد نستطع الخروج منه… وأعني الموبايل الذكي..؟

عن صفحة الأستاذ : معن حيدر – مدير عام هيئة الإذاعة والتلفزيون سابقاً – ومعاون سابق لوزير الإعلام