جديد 4E

أخوات “قريتي”.. المظلومات أيضاً!

زياد غصن :

تعقيباً على زاويتي الأخيرة في هذ المنبر، والتي حملت عنوان “قريتي… المظلومة”، وصلتني رسائل وتعليقات عدة يؤكد فيها مرسلوها أن معاناة قراهم متشابهة أو متطابقة مع معاناة قريتي، والتي اعتبرتها في الزاوية السابقة مجرد نموذج لإهمال الريف المنتج… من الجزيرة إلى الساحل، ومن حلب إلى درعا.

إهمال رسخته سياسات التنمية “المزدوجة” المطبقة طيلة عقود من الزمن رغم جهود العقد الأول والتي لم يكتب لها النجاح والاستمرار لأسباب مختلفة، ثم جاءت الحرب بإفرازاتها وتداعياتها والسياسات الاقتصادية المطبقة فيها لتعمق أكثر من حدة المشكلة وخطورتها..!

ومع ذلك، فإن هذه المرحلة هي الوقت الأنسب للبدء بعملية تصحيح تنموي تلغي فعلياً ما عرف بين الاقتصاديين بـ”ثنائية التنمية”… أو على الأقل تخفف تدريجياً من حجم الفجوة الحاصلة بين المدينة والريف.

وهذا ليس بأمر مستحيل…

فقط هناك حاجة لإجراءات “إنعاش” عاجلة للريف تنطلق من هدف واضح وبسيط يتمثل في تحسين واقع الخدمات العامة من أجل زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني، وبحسب الإمكانيات والموارد المتاحة… وبعيداً عن الاجتماعات والاستراتيجيات الاستعراضية.

فمثلاً…

في ملف حوامل الطاقة لتكن هناك على الأقل عدالة بين الريف والمدينة في ساعات التغذية الكهربائية، كميات المشتقات النفطية المخصصة… وبما يخدم فقط عملية الإنتاج.

في ملف البنى التحتية والمرافق الخدمية يمكن العمل على الكثير من المشروعات بالتعاون مع المجتمع المحلي، الأمر الذي من شأنه الحد من عمليات الهجرة الداخلية باتجاه المدينة.

والفرصة متاحة كذلك لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وما تحتاجه ليس أكثر من طرح أفكار  ودعمها، لاسيما في ظل توفر مصادر التمويل اللازمة لمثل هذه المشروعات بعد صدور القانون رقم 8.

لكن كل ذلك يحتاج إلى إدراك حكومي بأهمية الريف ومكانته… إلى محافظين ميدانيين يتابعون أدق التفاصيل… إلى مجالس محلية صاحبة مشروع… وإلى مجتمع أهلي داعم ومساند.

وعلى خلاف بعض وجهات النظر المتشائمة (والصائبة في ذلك أحياناً)، فإن هناك مساحة جيدة للعمل يمكن من خلالها تحقيق نتائج ايجابية على صعيد دعم الريف ومساعدة منتجيه، وذلك لسببين:

الأول أن الحاجة لا تفرض دوما تأمين موارد جديدة لتنفيذ مشروعات تنموية في الريف، ففي الظروف الحالية يكفي وجود إدارة عقلانية وتوجيه صحيح للموارد المناحة نحو الهدف المنشود… بمعنى أن الحكومة ليست مطالبة حالياً بإشادة مصانع ومعامل وشق طرقات، وإنما تخفيف القيود وإزالة العوائق أمام تدفق المنتجات الريفية إلى الأسواق، وتحسين واقع الخدمات الداعمة للإنتاج.

أما السبب الثاني فيكمن في العائدية السريعة لما ينفق من موارد، وهذا بعكس قطاعات ومناطق أخرى تتطلب خصوصيتها فترة زمنية ليست بالقليلة، فمثلاً الاهتمام بالقرى المنتجة للقمح ستتضح ملامحه مع أول موسم قمح، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي المناطق والمحاصيل والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.