علي محمود جديد :
عادةً وقتما تُصيب القلّة والنقص بعض المواد الأساسية المطلوبة، سرعان ما تتسرّب – كما نرى ونعلم جميعاً – إلى السوق السوداء، فروّاد هذه السوق وأساطينها مُتحفزون دائماً لممارسة أنشطتهم دون وازعٍ ولا ضمير، ضاربين بعرض الحائط كل الفضائل والسجايا الحميدة – والتي صارت مثار تندّرٍ واستهزاء مع الأسف – لقاء استغلال حوائج الناس لهذه السلعة أو تلك وبيعهم إياها بأسعار مضاعفة، مستهدفين بذلك الحصول على الأموالِ وسحبها من جيوب محتاجي السلع الذين لا يمكنهم الاستغناء عنها، وتكديس تلك الأموال على حساب معيشة الآخرين وغذائهم والمخاطر المتزايدة التي باتت ممكنة الحصول جرّاء الاضطرار لدفع أموال طائلة وبشكل غير معقول، لتأمين سلعة من المفترض أن تكون حسابات استهلاكها تندرج ضمن جداول المستهلكات المعقولة.
ومن أبرز السلع الداخلة حديثاً إلى دهاليز السوق السوداء ( أسطوانات الغاز المنزلي ) التي صارت عفاريت السوق السوداء – أمام نقصها وقلة توفرها – تُفظّع باستغلال حاجة الناس لها، وتدرّجوا في بيعها من الضعف إلى الضعفين إلى عشرة أضعاف سعرها.. وصولاً اليوم إلى أكثر من ثلاثين ضعفاً أحياناً، في ظل غيابٍ تام للجهات المختصة المنوط بها مكافحة مثل هذه المظاهر الشاذّة.
عناصر المشهد إياه وما يعتريه من استقرار لعفاريته وأرباح طائلة وطمأنينة من أي مكافحة أو محاسبة، ساهمت بخلق أفكار وابتكارات استطاعت أن تَلِدَ منها سوقاً أخرى منبثقة عن السوق السوداء تتحقق من خلالها قيمة قذرة مضافة، إذ يقوم بعض باعة أسطوانات الغاز بتعبئة بوابير الغاز الصغيرة منها قبل بيعها، فيبيعون الأسطوانة ناقصة الوزن بسعرِ ذاتِ الوزن الكامل، فيربحون ذلك الربح الفاحش من الأسطوانات، ويقتصّون أرباحاً إضافية من تعبئة البوابير، حيث تصل قيمة تعبئة الواحد منها إلى 25 ألف ليرة أحياناً، وكله على حساب المستهلكين طبعاً، فصار للسوق السوداء سوق سوداء أخرى يليق بها اسم (السوق الكالحة) لأنها أشدّ من السوداء سواداً.
إن الأجهزة والأذرع الحكومية غير القادرة على ضبط مثل هذه الحالات هي باختصار أجهزة فاشلة تساهم من حيث تدري أو لا تدري بتعزيز مكانة السوق السوداء.. وبتشجيع وتنشيط السوق الكالحة، وبالإمعان باتساخ صفحاتهم المؤطرة بالتشكيك والاشتباه.
صحيفة الثورة – زاوية ( على الملأ ) 26 أيلول / سبتمبر 2021م