جديد 4E

في الأثر الاقتصادي للتشريعات: عدم وجود تشريع .. أفضل من تشريع معرقل ومعقد ومكلف أو قديم أو صعب التطبيق

الدكتور عامر خربوطلي

د. عامر خربوطلي

رغم أن الوضع الاقتصادي المحلي يشهد حالة غير مسبوقة من المشكلات والاختلالات ومن أهمها ارتفاع الفجوة ما بين تكاليف المعيشية والدخل الفردي والركود الجاسم على صدر الأسواق وصعوبات ممارسة الأعمال، والارتفاع الكبير للأسعار مع تراجع واضح في الإنتاج والإنتاجية، رغم ذلك كله هناك أمل في تحريك النشاط الاقتصادي وهذه مهمة الاقتصاديين الذين يقدمون وصفات الصحة الاقتصادية كما الأطباء تماماً، نحن بحاجة إلى إدخال الاقتصاد السوري إلى (غرفة العناية المركزة) ومنحه جرعات من الأكسجين الاقتصادي لتوليد كريات من الدعم الاقتصادي، وهذا ليس بصعب أو مستحيل.

ولنبدأ في هذا الحديث بإحدى هذه الوصفات والمتمثلة بإعادة تقييم التشريعات والأنظمة وإلغاء ما هو غير مفيد ويشكل عرقلة للعمل الاقتصادي وتعديل ما يجب تعديله وإصدار مجموعة من التشريعات الجديدة التي تمثل أركان البناء الاقتصادي الجديد، دون أن ننسى أهمية تقييم الأثر الاقتصادي للتشريعات القائمة المالية والضريبية والمصرفية والنقدية والتجارية والاستثمارية فمجرد إعادة تموضع هذه التشريعات لتكون أكثر فاعلية وفائدة نكون قد ساهمنا بتحقيق الجزء الأكبر بما يسمى اليوم (المحركات الذاتية للنمو الاقتصادي) والتي تشكل حوالي 40% من تكلفة إعادة الاعمار.

يستخدم تحليل الأثر التشريعي لتقديم تقييم مفصل ومنهجي للآثار المحتملة لتشريع جديد من أجل تقييم ما إذا كان التشريع سيحقق الأهداف المرجوة منه أم لا. تنبع الحاجة إلى هذا التحليل من حقيقة أن التشريع عادةً ما يترتب عليه العديد من الآثار وغالباً ما يصعب التنبؤ بها دون دراسة مفصلة وتشاور مع الأطراف المعنية. كما يؤكد النهج الاقتصادي لقضية التشريع أيضاً على المخاطر العالية بأن تتجاوز تكاليف التشريع فوائده. ومن هذا المنظور، يكون الغرض الأساسي من تحليل الأثر التشريعي ضمان أن يكون التشريع معززاً للرفاهية وتحسين المعيشة وزيادة الدخل والتشغيل والاستثمار من وجهة نظر المجتمع – أي أن تتجاوز الفوائد التكاليف ويجري تحليل الأثر التشريعي عامة في سياق مقارن، مع وسائل مختلفة لتحقيق الهدف المنشود الذي يجري تحليله والنتائج المقارنة.

يعد أول تحليل الأثر التشريعي هو (تقييمات أثر التضخم) التي طلبتها الإدارة الأمريكية في السبعينيات ومن ثم بتقديم تحليل المنافع والتكاليف (BCA) ليصبح الأسلوب المنهجي المطلوب، وبحلول منتصف تسعينيات القرن العشرين كان هناك /12/ دولة تقريباً تنتمي لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قد نفذت متطلبات تحليل التأثير التشريعي بشكل ما، وحالياً تستخدم جميع دول هذه المنظمة تحليل الأثر التشريعي كما بدأ البنك الدولي يوصي عملاءه من الدول بتنفيذ متطلبات تحليل الأثر التشريعي ونتيجة لذلك اعتمد عدد متزايد من الدول النامية الآن متطلبات هذا التحليل.

باختصار فإن الهدف من تقييم الأثر هو المساعدة في تحسين وضع السياسات من خلال صب مزيد من التركيز على قياس المنافع والتكاليف في تقييم الأثر. وقد كان إزالة كلمة (تشريع) اعترافاً بأن الكثير من الأعباء الحكومية على الأعمال التجارية والهيئات العامة لم تنفذ دائماً بوصفها قوانين أو تشريعات مثل دساتير الممارسة ومتطلبات التقرير أو توجيه التمويل وأن تأثيرات هذه التدابير تحتاج أيضاً إلى تقييم.

ما يهمنا في سورية هو التأكيد أن عدم وجود تشريع محدد في بعض الأحيان مثلاً أفضل من وجود تشريع معرقل أو قديم أو صعب التطبيق أو معقد ومكلف. فالأعمال الاقتصادية والتجارية هي كالنهر الجاري ينبغي توسيع أو تضييق مجرى النهر وفق شدة أو ضعف جريان الماء وأي إقامة لسد أو حاجز أو قناة جر فرعية أو مزرعة أسماك عليه ينبغي أن يلبي احتياجات المنطقة التي يجري فيها ويعود بالخير والفائدة عليها فتنظيف وتهيئة هذا المجرى من جميع الحصاة والصخور والطمي غير المجدي على سبيل المثال ولا نضع إلا التجهيزات المناسبة وهذا ما تفعله التشريعات المرنة والمشجعة والمحفزة والتي تخدم مناخ الأعمال وتؤدي لاستقرار الأسواق وتحسين مستويات التشغيل والدخل الفردي.

العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي ( 116 ) دمشق في 10/2/2021.