جديد 4E

رسالة الى كورونا.. هل نقول شكرا ؟!

ربما كنا بحاجة للوباء لتُعيد الأسر اكتشاف ذاتها من جديد .. وتحت سقفٍ واحد ..

صبا يوسف

صبا احمد يوسف

أن نردد اسمك “كورونا” آلاف المرات، وتذكرك مليارات البشر على امتداد الكرة الارضية، ويتردد اسمك اللعين الشيطاني في كافة وسائل الاعلام وعبر كل وسائل التواصل الاجتماعي، هذا لا يعني أننا نراك نجما محبوبا، بالعكس يذكر العدو عبر الزمن أكثر مما يذكر الصديق.. وبسجلات التاريخ يكتب اسمه وعنه مجلدات وقد تكتب له معلقات شعرية وأساطير ويكون مؤنس السهرات وحديث الاصدقاء هذا لا يعني اننا نحبك، بل انت عدو خطير، ظهر على حين غفلة من الدنيا، وسكانها.. دنيانا التي تجتاحها كل شيء حروب وندوب وأهوال طبيعية، وقروح اجتماعية وقهر النفوس وفقر الناس وكفاح لأجل الحياة والحرية، ولأجل بقايا أمل.

أنت عدو بسبب زهقك آلاف الأرواح، وتهديدك للبقية الباقية.. لكن دون قصد منك وليس ما سنذكره كان ضمن خطة عملك الجهنمية ولا من أهداف مشروعك الاسود.. رغما عنك وعنا كان لوجودك نتائج ايجابية بما تسببت به من لم شمل الأسرة الواحدة تحت سقف واحد هي آثار جانبية تخص الناحية النفسية والاجتماعية أولا.. وآثار ايجابية للبيئة والطبيعة، لكن نحن سنتحدث عن ايجابيات كورونا من ناحية الحجر الصحي المنزلي الذي هو السلاح الوحيد لهزيمتك ولكن لكل سلاح محاذيره وأخطاره .. ايجابياته كما سلبياته..

لنتعرف معا على الجانب النفسي والاجتماعي للحجر المنزلي .. السلاح المناسب الوحيد في وجه كورونا الموت المرعب.

التقينا الدكتورة آداب عبد الهادي الاختصاصية بالصحة النفسية للوقوف على العديد من هذه النقاط..

– بداية هل البقاء بالمنزل بسبب كورونا هذا يعطي فرصة للم شمل الأسرة ليتعارفوا على بعضهم من جديد بظل التفكك الأسري لبعض العائلات الذي فرضته الحياة والادمان على وسائل التواصل الاجتماعي؟.

 الأسرة والعودة إلى دورها الطبيعي

تقول الدكتورة آداب : تحتل الأسرة مكانة الصدارة بين المؤسسات الاجتماعية العديدة التي اقرتها التجمعات الانسانية المختلفة وقد عمل في دعم هذه المكانة قدمها وثباتها، إضافة إلى تأكيد جميع الديانات السماوية عليها والآثار التي تخلفها في الزوجين والأولاد والحاجات التي تقضيهم لهم والخبرات التي توفرها وغير ذلك من جوانب الوظيفة الضخمة التي تضطلع بها .

الدكتورة آداب عبد الهادي

وانطلاقا من ذلك توجب على المؤسسات الاعلامية والتربوية مساعدة الأسرة للعودة إلى دورها وطبيعتها في بناء المجتمع كونها النواة الأولى والأساسية في أي بناء وأي مجتمع، وإن كانت تلك المؤسسات قد عجزت في إعادة الأسرة إلى سابق عهدها متذرعة بالظروف الاقتصادية الصعبة وسعي الأم والأب على السواء وراء تأمين لقمة العيش ومشاركة الأبناء في هذا السعي كل ساهم في تشتيت الأسر وبعدها عن بعضها وتفرقها في بقاع شتى مما ساهم في خلخلة دورها الأساسي وابتعادها عن بعض القيم الأخلاقية التي كانت سائدة قبل عقود.

تغيير نمط الأسرة عالميا

إن الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول كافة جراء انتشار وباء كورنا، غيّر نمط الحياة في الكرة الارضية وليس في الشرق فقط، حيث ان هذه الاجراءات حالة عامة اتخذتها الدول في كل العالم وبناء عليها فقد وجدت الأسر نفسها في حالة مواجهة مع بعضها البعض سيما بعد ان حدث خلال العقدين الاخيرين طفرة نوعية في العلاقات الاسرية بسبب ضغوط الحياة وانتشار السوشيال ميديا التي باعدت بين أفراد الأسرة وعزلت الشخص حتى عن ذاته.

 إعادة المنظومة القيمية للأسرة

روعة الأمهات بالحجر في الهواء الطلق

يمكننا القول إن كورونا سيكون له الفضل الكبير في إعادة المنظومة القيمية للأسرة الى وضعها الطبيعي، وهذا انجاز يسجل لكورونا.. انجاز تعجز عن تحقيقه المؤسسات التربوية والنفسية والتعليمية عندما تجد الأسرة بكامل افرادها انها تقف متواجهة مع الموت، تثور المشاعر الخامدة بين افراد الاسرة وتتأجج مشاعر الابوة وتتعاظم عاطفة الأمومة وتطفو على السطح مشاعر الايثار والتضحية والمحبة بين أفراد الأسرة فتزداد النقاشات العامة حول الفايروس وتزداد حول تطبيق الاجراءات الوقائية ويتم تبادل الادوار بين افراد الأسرة والتشارك في تنفيذ المهام والحماية والحفاظ على بعضهم البعض من أجل المحافظة على البقاء على قيد الحياة .

 العائلة السورية تتميز عن غيرها

صحيح ان العائلة العربية متشابهة على طول الوطن العربي إلا انٌ هناك حقيقة يجب أن تذكر وهي أن العائلة السورية بقيت محافظة على تماسكها ووحدتها حتى في أقسى الظروف التي مرت بها سورية ومع ذلك جاء فيروس كورونا ليزيد ترابط الاسرة مع بعضها ويزيد من تماسكها ووحدتها ووقوفها معا لمجابهة هذا الخطر المحدق بكل فرد من افرادها.

نعلم ان ليس كل الأسر مثالية.. بعض الأسر مفككة بالأصل ..واضطرارها للبقاء بقرب بعضها . هل سيزيد الحجر الحالة سوء أم العكس..؟ وماذا يمكن أن يحدث؟

إن جو المشاحنات في الأسرة – تقول الدكتورة آداب – من أشد الأجواء تأثيرا في ايجاد صعوبات في التكيف مما يعرقل حسن نمو الأبناء وإذا انتهت المشاحنات إلى انقطاع كامل أو ما هو قريب منه في العلاقة بين الوالدين واصبح البيت مهدما أو متصدعا او مفككاً، غدا البيت نوعا من الجحيم في نظر الاباء والابناء على السواء مما يجعل البيئة مناسبة جدا للجنوح وما جنوح الاحداث الا نتيجة لهذا التصدع او

التفكك .

التكيف في ظل الحجر المنزلي الاجباري

في هذا الحجر المنزلي الاجباري لكافة الأسر آباء وأبناء اضطر الجميع للامتثال له رغبة في البقاء على قيد الحياة وبالتالي التكيف، هذا التكيف يلزمه التسامح والمحبة والتكاتف بدلا من التفكك والتصدع، ودليل أن الأسر استطاعت أن تتكيف مع هذا الحجر الذي انعكس بشكل ايجابي على علاقات الافراد فيما بينهم فقد امتثلوا للحجر بهدوء ولو كان التوتر هو السائد، وربما توقع البعض السماع بمئات الجرائم منذ الاسبوع الاول للحجر، ولكن ما حدث هو العكس تماما، سمعنا عن حالات ابداع وتميز في الأسر العادية ناهيك عن أسر المبدعين أساسا وهذا دليل على مقدرتهم على التكيف وبالتالي على المحبة والسلام.

التكيف والاستمرارية

هناك بعض الأسر المتآكلة جدا والتي انعزلت فوق الانعزال وحجر كل فرد نفسه لوحده فوق الحجر إلا أن تلك الأسر ما تزال إلى هذه اللحظة متكيفة مع الحجر وقادرة على الاستمرار في منزل واحد وهذا بشارة خير على مقدرتهم على العيش معا مجددا وبشكل فعلي مع تجاوز خلافاتهم سيما انهم في منزل واحد بفعل الحياة والوجود وان جو المحبة داخل الأسرة سيكون تعويضا عما تم افتقاده خارجها .

ماذا عن الضغط الاضافي للأمهات في أعمالهن المنزلية وزيادة المسؤولية؟

إن جميع الأمهات سيجدن الوقت الكافي لإنهاء اعمالهن مهما كثرت لامتلاكها الوقت سيما ان اوقات الخروج من المنزل واللقاءات الاجتماعية غير موجودة الآن، وبالتالي سيتمكنَّ من انجاز مهامهن دون ضغط اذا أردن أن يعشنَ بسلام، بالإضافة لتكاتف أغلب أفراد الأسرة وتوزيع المهام فيما بينهم وهذا من ايجابيات الحجر التكاتف والمساعدة، أو على الاقل خدمة كل فرد لنفسه وحتى مساعدة بعض الآباء .

 هل سيزداد العنف ..؟

سؤال يتم طرحه بين الناس هل سيزداد العنف ضمن الاسر المفككه اصلا والتي تفتقد للحب والمال معا؟

إن الحياة تحت سقف واحد للأسر المفككة فرصة لا تعوض في اصلاح ما تم اتلافه بسبب ظروف الحياة التي مروا بها لأن الحياة معا تنطوي على عدد من أهم حالات التكيف لدى الانسان، إن كلا من الزوجين مسلح بذخيرة كبيرة من الخبرات الخاصة ودوافع خاصة ومفاهيم خاصة وعادات وحتى اتهامات خاصة حملها كل منهما من منزل يتميز عن منزل الآخر وشروط اجتماعية لا تتماثل مع شروط الآخر، وكل منهما يحمل إلى المنزل في هذا الحجر نوعا من الاعتبار لذاته، وقد يحمل احدهما او كلاهما بعض الاتجاهات التي لا تكون بالاستواء الكامل او المقبول، أو ما هو قريب من ذلك، ما يجب اخذه بعين الاعتبار هو انهما يعيشان لأن حياة مشتركة لامفر منها، من حيث الأصل وليست ظروفها، مما يسمح بأن يبقى أي منهما منطويا على نفسه في موقفه من الآخر، لكن لكل منهما مع ذلك اشكالا من أساليب التكيف التي استقرت عنده، وصمدت لديه، وهو الآن يواجه بها الآخر محاطا بعاطفة المحبة احيانا، وبعواطف كثيرة معها، او محلها لذلك لا قلق من هذه الجزئية لان مثل هذه الاسر تبحث عن سبل وطرق للبقاء وستعرف أن أحدهما لن يتمكن من المواجهة لوحده دون الآخر سيما انهما يفتقران إلى المحرك الأساسي للحياة وهو المال في ظروف اقتصادية قاسية يرافقها غلاء فاحش في الأسعار وهذا ما يستدعي الوحدة والتكاتف على الأقل لمواجهة الجوع الذي سيتفوق على التفكك والصدام والصراع.

هل في ظل الحجر المنزلي فرصة للتحفيز على العمل الذهني والاهتمام بالهوايات المتعددة ؟.

كل الدراسات تؤكد أن الطفل أو الفرد الذي يتمتع برعاية مباشرة من الأم كثيرا ما يختلف عن غيره في نموه الجسدي والفكري والنفسي، ثم أن الكثير من مظاهر الحاجة الى المحبة والتي تبدو عند عدد قليل من الأحداث والراشدين ترتبط ارتباطا قويا بضعف المحبة في جو الأسرة، والاكتفاء من المحبة هو الباب الاساسي والرئيس للنمو الفكري والجسدي، وبالتالي وجود افراد الأسرة مجتمعين معا على مدار 24 ساعة سيؤجج مشاعر المحبة والألفة والتعاون بينهم بعكس ما هو سائد بأن المشاحنات سوف تكثر وتتفاقم.

نماذخ ابداعية جميلة ..لماذا الآن؟.

نجد منذ بداية الحجر عند العديد من الدول، أنَّ الكثير من الأسر والأفراد أظهروا نماذج إبداعية جميلة مثيرة للاهتمام تجعلنا نتوقف عندها، فلماذا لم يحدث هذا الإبداع عند نفس الشخص في غير هذا الوقت؟؟

لا شك أن الكثير من العوامل اجتمعت ونشطت خلايا دماغ الأفراد في الأسرة وحفزتهم من خلال محاوراتهم المستمرة طيلة النهار وبعض الليل، الأمر الذي قرّب

بينهم وجهات النظر وعصف أذهانهم ودفعهم إلى الإبداع في مجالاتهم والتميز أيضا، والمحبة هي الدافع الأساسي لذلك، المحبة التي يوفرها الأم والأب الذين كانوا قبل الحجر قلما يجتمعون ويلتقون ويتناقشون وحتى يحلمون معا.

هناك ايجابية أخرى سألنا عنها الدكتورة آداب والتي بدت واضحة في كل الأسر وهي إنهاء الأعمال المنزلية التي اهملت وتأجلت فترة طويلة؟.

لاشك أن الكثيرات من السيدات العاملات اللواتي يخرجن صباحا ويعدن بعد الظهر لن يجدن الوقت الكافي ” لتعزيل” المنزل، إضافة إلى الكثير من المتطلبات الخاصة بالأسرة، وجدت الأم والأب وحتى باقي الأفراد بالحجر متسعا من الوقت للقيام بما يحبون ويرغبون، سواء اعمال خاصة بالمنزل أو خاصة بهم، فالوقت المتوفر من الصباح إلى المساء يساعدهم ليس على انجاز المهمات المتوقفة بل ايضا على ابتكار مهام اخرى.

استراحة من ضغط العمل

ان سيدات المنزل والكثيرات منهن سيما اللواتي لديهم اطفال في المدرسة شعرن براحة نفسية وفترة استراحة من ضغط العمل والتفاعل مع افراد المجتمع في أماكن عملهن مما يسبب لهن المزيد من القلق والتوتر والضغط النفسي الذي ينعكس سلبا على أطفالهن وأزواجهن ومنازلهن بشكل عام، فكانت فترة الحجر وكأنها إجازة من ضغوط الحياة، وفترة للتأمل ومراجعة ما مر بحياة الأفراد سابقا وبالتالي تصحيح بعض الأخطاء والتخلي عن بعض العادات سيما بعد نشوء عادات جديدة للأفراد جراء الحجر.

في الختام

هل نستطيع ان نشكر “كورونا” لأنه كان سببا لحصول وإظهار ايجابيات على صعيد الأسرة بظل ما سببه من حجر منزلي اجباري ..؟ وهل كنا بحاجة للوباء للحصول على الدواء، أم أن الزامنا على شيء يضعنا أمام حقيقة وحلول ما كنا لنراها ونحن أكثر حرية في الاختيار.