جديد 4E

محلل حسب الطلب..!

السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

ربما يتفق معي الكثيرون بأن من مساوئ الأزمة التي تعيشها سورية والمنطقة عموما هي نمو طبقة أو شريحة من الثرثارين الشتامين الذين يبيعون الكلام والمواقف السياسية حسب الطلب وعلى قدر الدولارات التي يكسبونها تحت عنوان أو يافطة التحليل السياسي.. ففي كل يوم تقريباً تبتلى أمة الصمت بغراب جديد ما كان يمكن لزوجته في أحسن الأحوال أن تسمح له بالكلام في حضورها، غراب يملك لساناً هو أجدر بالقطع أكثر من جدارته بالكلام، متخصص بإطلاق الشتائم والتحليلات التي تثير التقيؤ والاشمئزاز، يجعل من فعل مشاهدة التلفزيون فعلاً مشيناً مجلباً للاثم والخطايا والذنوب التي قد تدخل صاحبها جهنم والعياذ بالله..؟!

وللأسف يكثر ويتكاثر مثل هؤلاء الناعقين على مختلف القنوات التي امتهنت الكذب والتضليل، وكل همهم ملء جيوبهم بالدولارات، حتى أصبحت مهنة التحليل السياسي مهنة من لا مهنة له، ثم تتبارى القنوات بإطلاق الألقاب الفارغة على محلليها، كباحث استراتيجي أكاديمي او ما شابه أو مختص بالشأن الفلاني والعلتاني، وغالبا ما تداس الحقائق وتخترع الارقام حسب الطلب، في إطار بروباغندات ببغائية لا تقدم ولا تؤخر.

وإذا كان التحليل السياسي يعتمد على المنطق والإقناع عبر تقديم الحجة والبرهان واستشراف المستقبل فإن أغلب الذين نراهم في برامج المصارعة (الحوارية) وحلبات قتال الشوارع يتقنون فن المراوغة والكذب والتلفيق وقلب الوقائع بما يخدم الجهات التي تدفع لهم، وكثيراً ما تفوح رائحة الدولار والمواقف السياسية المعلبة كما تفوح روائح المخلفات من حظائر الدواجن والأبقار..

بعد تجربتي المريرة مع هذه الأصناف العفنة خلال الحرف، وبعد أن كدت أن أفقد ذائقتي السياسية وولعي بمشاهدة التلفزيون قررت الانصراف نحو المحطات المتخصصة ببرامج الطبخ والغناء والرقص أو “الهشك بشك” كما يسميها البعض، ولكن حظي لم يكن بأفضل حالاً فعلى هذه المحطات وجدت أناساً يفهمون بالتحليل السياسي أكثر مما يفهمون بالطبخ والغناء والرقص، بحيث سمعت من “تيتة لطيفة” مثلا التي تشرف على برنامج للطبخ تعليقات سياسية أكثر إقناعاً وموضوعية من أراء (صفوت الكذاب)، كما قدمت لي مريم نور الله يحميها لشبابها أراءً سياسية باستطاعتها قلب الطاولة فوق رأس ( القاسم واتجاهه المعاكس).

وكثيراً ما يطل علينا فنانون وفنانات معروفون بآراء سياسية ومواقف هزلية تجعلنا نكره الفن وننصرف إلى البرامج الرياضية وبرامج الأطفال ولكن حتى هذه البرامج لم تعد تخلو من السياسة وكأن كل شيء في هذا الكون مسخر في خدمة السياسة..

المهم ان برامج التقنين الكهربائي القاسية قد أراحتني من هذه المعضلة حيث تحول التلفزيون في منزلي الى مجرد ديكور لا أثر للجاذبية فيه، وقد أفكر في بيعه إلى هواة شراء الادوات المعطوبة والمحروقة الذين باتوا شريحة لا يستهان فيها في مجتمعنا.. الى جانب نكاشي القمامة الذين يحق لهم الانضمام الى شريحة المحللين السياسيين الذين ينكشون في القمامة السياسية والتاريخية والدينية أكثر من نكشهم وبحثهم عن الحقيقة.. فما رأيكم دام ظلكم..؟!