جديد 4E

راحة أربع في أربع..!

 

السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

في دراسة أجرتها إحدى الدول العربية – ليست بعيدة عنا حكما – تبين أن أشقاءنا في هذه الدولة الشقيقة ينفقون ما يقرب من نصف دخولهم على الطعام والشراب – في بلادنا ننفق أكثر من ذلك بكثير- في حين لا يتعدى الإنفاق على قضايا التعليم والثقافة ال ٢.٨ % من حجم هذا الدخل، ومع امكانية تعميم هذه الدراسة على بلادنا بحكم وحدة المسار والمصير – وسوا ربينا وما تربينا – يمكن القول أننا ننفق على الطعام قرابة ال ١٠٠ % من دخولنا – ولا تكفي قطعا – ولا نكاد ننفق أكثر من واحد بالمئة على الثقافة وشؤونها – اللهم باستثناء حفلات الغناء التي لا تمت للثقافة بأي صلة – وهذا ما يفسر تزايد أصحاب البطون التي لا تعرف الشبع على حساب المثقفين والعلماء والمفكرين الذين باتوا الحلقة الأضعف في مجتمعنا، كما يفسر سر انشغالنا الدائم ببرامج الطبخ والنفخ والولائم حتى اصبحت كتب الطباخين أشهر من دواوين المتنبي وابي تمام والمعري..!

ومن المفارقات الاكثر سخرية أننا ننفق على جوالاتنا (الذكية) والثرثرة الفيسبوكية عبرها أكثر ما ننفق على الطعام والثقافة – وأعرف أشخاصا مستعدين أن يقايضوا الطعام بالنت والكلام الفارغ من أي مضمون – ولذلك لا عجب إن بقيت مجتمعاتنا تراوح في مكانها طالما بقي هذا النمط الاستهلاكي مسيطرا على حياتها، في حين تتنافس باقي المجتمعات على مواقع الريادة في ميادين البحث العلمي والاختراع والتطور التكنولوجي والفضائي، وليس مواقع التواصل الاجتماعي التي سلبت منا عقولنا..!

من المؤسف ان الانترنت قد فرض نفسه على مجتمعاتنا بشكل هستيري وباتت الهواتف الذكية موجودة مع الاغبياء أكثر من المثقفين بحيث لم يعد ثمة إمكانية للتحرر من هذا الوضع، فالجميع يتسابق لاقتناء أحدث الجوالات – وثمة من يستثمر هذا السباق بشكل بشع جدا – رغم ان الأولويات في مكان آخر تماما..!

لقد بات المواطن بين خيارين لا ثالث لهما إما أن يأكل ويملأ بطنه – والمهمة شبه مستحيلة –  أو يواكب ذكاء مستوردي الهواتف الذكية واحتياجات الحياة المرتبطة بها  بعد أن أصبح لدينا حكومة الكترونية ودفع الكتروني ولا ينقصنا سوى روبوتات تفكر عنا، ولم تعد الثقافة وهمومها تشغل باله سوى ثوان قليلة في اليوم الواحد..

قيل: راحة أربع في أربع راحة الجسم في قلة الطعام وراحة النفس في قلة الآثام وراحة العقل في قلة الاهتمام وراحة اللسان في قلة الكلام.. فأين نحن من ذلك…؟!

هامش:

اخترع الغرب الانترنت ونحن اخترعنا الجرائم الإلكترونية.

اخترع الغرب الهواتف الذكية ونحن اخترعنا الجمركة الباهظة.

اخترع الغرب الكهرباء ونحن اخترعنا التقنين.