جديد 4E

ثقافة المناصب

 

السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

ربما يسأل سائل (بخبث) لماذا وصلنا إلى مانحن عليه اليوم من الفساد والترهل والروتين والبيروقراطية وقلة التفاؤل، ولكن السؤال على خبثه شديد الأهمية ونحن على أعتاب مرحلة مجهولة العوالم أعقبت ١٢ سنة ونيف من الحرب الطاحنة، وربما لم يكن فيها العامل الخارجي بأشد وطأة وأدق رقبة من العامل الداخلي وأقصد هنا الفاسدين وتجار الحرب والأزمات على مختلف مستوياتهم..!

لا شك بأن الخروج من الوضع البائس الذي نحن فيه اليوم يُلزمنا بوضع خطط عمل وبرامج جديدة تقطع أي صلة مع مرحلة الحرب وتأثيراتها، لذلك لا بد من البدء بتشخيص المشكلة أو المرض ومن ثم وصف الحل والدواء، وإذا لم نفعل فسنظل نعود للخلف بسرعة قياسية وسوف تتكرر كل المشكلات والازمات والأمراض التي نعاني منها.

ربما الكثيرون يوافقوني الرأي بأننا لم نضع الرجل المناسب في المكان المناسب في الكثير من المؤسسات والمواقع – ولا أعلم ما هو الاصلاح الاداري الذي يتم الحديث عنه حاليا – طبعا لا يخلو الأمر من وجود بعض الكفاءات الوطنية الجيدة في بعض المواقع والمؤسسات، ولكنها على الأغلب نشعر بأنها ضعيفة ومعطلة وغير قادرة على التغيير مع وجود ثقافة بائسة في توزيع المناصب والمسؤوليات والامتيازات، حيث الواسطة والمحسوبيات والمال والعلاقات الخاصة والملتوية، وثمة شيء آخر لا يقل سوءا عن الواسطة والمحسوبيات، وهو أخذ عامل الولاء والطاعة العمياء بالحسبان دون غيرهما، فإذا كنت أنا مديرا لمؤسسة  من المؤسسات ـ لا سمح الله ـ فإنني لا ابحث عن الطاقات المبدعة والكفاءات الموجودة في مؤسستي وإنما أبحث عمن يقولون لي السمع والطاعة يا سيدي وينفذون كل ما أطلبه منهم دون اعتراض وأحيانا ـ واعذروني على المصطلح ـ مقابل عضمة..

فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما يطرح مدير من المدراء رأي معين للمناقشة يندفع الكل للموافقة عليه دون نقاش خوفا من أن يغضب عليهم ويزيحهم من مواقعهم التي يرتزقون منها ويستبدلهم بمن هم أكثر طاعة وأقل كرامة، أي أن العقلية الفردية هي التي تتحكم بالقرار بالنهاية وليس “التشاركية” التي صرعونا فيها أصحاب المناصب والمسؤولون في السنوات الماضية، وإذا جرت تشاركية فإن الشخصيات الموزعة في بعض المفاصل تشارك فقط بشعارات خشبية عفا عليها الزمن لا تصلح لتغيير أو إصلاح أو تزفيت طريق.

ثمة مسألة على غاية من الخطورة وهي الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، أي أننا نحاول إظهار صورة مغايرة للواقع بهدف تضليل الرأي العام والمستويات العليا من أصحاب القرار، فنخفي حالات الفساد ونخبئها ونتستر عليها لكي لا تضر بالشكل الذي نريد تقديمه أو إظهاره، لذلك تتراكم حالات الفساد وتتفاقم وتتحول إلى سرطان يخرب المؤسسة بعد أن يفلسها ويطرد كل الكفاءات فيها.

للأسف هؤلاء ينطلقون من قاعدة سخيفة وهي عدم نشر الغسيل الوسخ، وينسون أن إخفاء الغسيل الوسخ وعدم نشره يؤدي إلى تعفنه في نهاية المطاف.