ميخائيل نعيمة – من تقديمه للمجموعة الكاملة لجبران خليل جبران
يطوي العبقري من خلال عمر واحد أعمار أجيال سبقته ، وأجيال رافقته ، وأجيال تأتي بعده . فيموت ليحيا ويحيا غيره ليموت.
ويحيا العبقري في قلوب الأجيال لأنه يعطي آلامها الخرساء ألسنة من نار ، ويمدّ آمالها المقعَدة بأجنحة من نور . فللّحم والدم في كل زمان ومكان مغاور سحيقة تتزاوج في ظلماتها الملذّات فتَنْسل أوجاعاً . وللروح أجواء فسيحة يرودها الفكر والخيال فيضرمان الشوق إلى الانعتاق من الوجع .
والعبقري من استطاع أن يسبر الأغوار ويجوب الأعالي وأن يعود من تلك وهذه بصورة الإنسان الأمثل وهدفه الأسنى ألا وهو الحياة التي لا تأخذها سِنة الموت ، ولا تُكبّلها قيود اللحم والدم ، ولا تحصرها حدود الزمان والمكان . وجبران كان ذلك العبقري .
في آخر كتاب ( دمعة وابتسامة ) مقال عنوانه ( صوت الشاعر ) يتكلّم فيه جبران بلسان الشاعر فيقول في جملة ما يقول :
( جئتُ لأقول كلمة ، وسأقولها . وإذا أرجعني الموت قبل أن ألفظها يقولها الغد . فالغد لا يترك سرّاً مكنوناً في كتاب اللانهاية )
وهو يختم المقال بالعبارة التالية :
( والذي أقوله الآن بلسانٍ واحد يقوله الآتي بألسنةٍ عديدة )