جديد 4E

كأنها تُطالب بتشديد العقوبات على نفسها .. محطات وقود تتطاول على الاحتياط الاستراتيجي كالمُدمن على تجميل شناعته

 

 

السلطة الرابعة – علي محمود جديد :

قالت وزارة النفط والثروة المعدنية على صفحتها الرسمية اليوم بأن لجنة ضبط المخالفات في شركة محروقات بالتنسيق مع مديرية مكافحة التهريب في الجمارك ضبطت محطة وقود خاصة في محافظة ريف دمشق مدينة جرمانا.

وكانت هذه المحطة – حسب الوزارة – قد قامت بالتصرف بالاحتياطي الاستراتيجي بكمية تقدر ب 20 ألف لتر واستبداله بمادة مخالفة للمواصفات القياسية السورية بهدف الإتجار بها في السوق السوداء، وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية.

ثمة تجرؤ خطير بات يظهر على ما يبدو أكثر من ذي قبل بالتطاول على الاحتياطي الاستراتيجي الذي يعتبر مخزوناً وطنياً بامتياز لا يحق لأي أحد – إلاّ بإجراءاتٍ خاصة جداً – التصرّف به.

كان من المعروف والبديهي للجميع أن هذا الاحتياطي محفوظ دائماً كخط أحمر لا يمكن المساس به، وحتى أصحاب محطات الوقود كانوا يحرصون على ذلك ولا يقبلون الاقتراب من منسوبه، غير أن فظاعات السوق السوداء وتفاقم اللامسؤولية عند روّادها واستخفافهم بالحد الأدنى لأصول وأدبيات العمل دفعهم لمثل هذا الشذوذ في التطاول على هكذا مخزون حساس جداً ضاربين به عرض الحائط وبمختلف العقود والعهود التي تشترط الحفاظ عليه.

الخطير في الأمر أن هذا التطاول يتسع شيئاً فشيئاً حتى بدت العقوبات التي تنال من المخالفين غير مؤثرة عليهم ولا تردعهم كما يجب أن يكون الردع، فمنذ يومين أيضاً قامت لجنة ضبط المخالفات في شركة محروقات بالتنسيق مع مديرية مكافحة التهريب في الجمارك بضبط محطة وقود خاصة في محافظة ريف دمشق منطقة العادلية الكسوة، بعد أن قامت بالتصرف بالاحتياطي الاستراتيجي بكمية تقدر ب 21 الف لتر واستبداله بمادة مخالفة للمواصفات القياسية السورية بهدف الاتجار بها في السوق السوداء أيضاً، وتقول وزارة النفط بأنه تم اتخاذ الاجراءات القانونية حيال هذه المخالفة.

وجاءت هاتين المخالفتين الشنيعتين بعد أن قامت وزارة النفط والثروة المعدنية بتزويد جميع المحافظات بكميات إضافية من المشتقات النفطية ( بنزين – ومازوت) من أجل تعزيز عمليات الإنقاذ والإسعاف وإزالة الركام مع استعدادها للاستجابة الفورية لأية احتياجات طارئة على مدار الساعة، وذلك بعد كارثة الزلزال في السادس من شباط الجاري .

تأتي هاتين المخالفتين المرتكبتين في خضم الآلام الناجمة عن الزلزال وآثاره واحتياجاته المحتملة، ولذلك فهما تُعدّان من أكثر المخالفات شناعة فعلاً على الرغم من وجود مخالفات سابقة بالاعتداء على الاحتياط الاستراتيجي ومخالفات أخرى كان أبشعها في الخامس من كانون الثاني الماضي عندما قامت مديرية مكافحة التهريب في الجمارك بالتنسيق مع لجنة ضبط المخالفات في شركة محروقات بضبط محطة وقود خاصة مخالفة في محافظة حلب، تقوم بالتلاعب والاتجار بالمادة من خلال وجود خزانات سرية في المحطة سعة 190 الف لتر وصهاريج بسعة 136 الف لتر.

نهر من المازوت أطلقه المهربون في الأراضي الزراعية .. !

وقدّرت المادة التي تم ضبطها بحوالي 19 الف لتر من مادة المازوت إضافة إلى قيام القائمين على المحطة بالتخلص من 300 الف لتر من مادة المازوت – تخيّلوا ذلك .. ! – في الارض الزراعية القريبة من المحطة قبل وصول الجمارك واللجنة بساعات، ولم يكن أحد يتخيّل أن تصل الرعونة واللامسؤولية إلى مثل هذا الحد باستسهال تخريب أراضٍ زراعية قد تحتاج بعد ذلك إلى سنوات من أجل إعادة تأهيلها للزراعة.

وفي 13 كانون الأول الماضي ضبطت لجنة المخالفات في شركة محروقات محطة وقود خاصة في محافظة ريف دمشق منطقة الكسوة الحرجلة، كانت قد تصرفت من الاحتياطي بكمية 4000 لتر من  مادة البنزين للاتجار بها في السوق السوداء ، كما تم ضبط الكثير من الحالات المشابهة وغير المشابهة في العديد من المحافظات، والتي تنم عن شراهة عجيبة وغريبة لتجار السوق السوداء وروادها والتي كانت قد رصدتها وزارة النفط عبر شركة محروقات وجهود لجنة ضبط المخالفات فيها، كما سبق وأصدرت إحصائيات سنوية لمثل هذه المخالفات التي يندى لها الجبين،

مستودع سري لتهريب المازوت

ويبدو إصرار بعض محطات الوقود على المضي بمثل هذه المخالفات اللامسؤولة والبعيدة عن الحس الأخلاقي بآثار الأزمات التي تعصف بالبلاد، يبدو غريباً جداً بالفعل لاسيما وأن تجارة النفط ومشتقاته معروف أنها من أصناف التجارة الرابحة جداً والتي لا يمكن أن تتعرض للكساد ولا للعرقلة في زحمة الطلب الشديد الذي لا ينقطع لا بظل الأزمات ولا بظل الانفراجات، ومن هنا تأتي الغرابة عن الدوافع المجنونة التي تدفع بالمحطات إلى مثل هذه المخالفات البشعة والمجازفة بتعرضهم لمخاطر الضبوط وسوء السمعة والغرامات والعقوبات التي يستسهلونها كثيراً على ما يبدو .. والتي قد تحتاج بعد ذلك إلى تعديل يميل إلى المزيد من التشدد، رغم أننا لا ندري إن كان منطق تشديد العقوبات سيردعهم بعد أن أدمنوا على تجميلِ شناعة ما يفعلون.