جديد 4E

زياد غصن يكتب عن التعديلات المقترحة لقانون الجريمة الالكترونية : مشروع قانون هاجسه الأول كمّ الأفواه

 

كنت أول من حذر قبل خمسة أشهر من خطورة التعديلات المقترحة على قانون الجريمة الإلكترونية….. والمقال نشر في موقع فينكس الإخباري خلال شهر تموز الماضي…. وهذا نصه:

 

ما تبقى من حرية التعبير!

زياد غصن:

إذا ما أُقرت التعديلات الأولية المقترحة على قانون الجريمة المعلوماتية، فهذا يعني أننا سنكون أمام مشروع قانون، هاجسه الأول سيكون “كم الأفواه”، وليس فقط ملاحقة الجرائم التي تقع على الأنظمة المعلوماتية والبرمجية وغيرها!

إذ عندما تقترح التعديلات التي تناقش حالياً حذف الصفة الاحترافية لمقدم الخدمة على الشبكة، فهذا يعني بوضوح أن جميع ما ينشر على الصفحات الشخصية والعامة الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعي سيكون خاضعاً للقانون المقترح بغض النظر عن مكانة أصحاب تلك الصفحات والمنشورات وصفتهم المهنية والعلمية والاجتماعية، وتالياً فقد يتم اقتيادهم إلى فرع الجريمة المعلوماتية مع أي مقال أو رأي أو عبارة تنشر على الشبكة ولا تعجب مسؤولاً أو موظفاً أو حتى أي مواطن… !

وما يعزز هذا الاستنتاج المواد الأخرى المقترح إضافتها على القانون، والتي تتضمن عبارات قابلة للتأويل والتفسير المتشعب.. وربما “الشخصنة” أيضاً، من قبيل المادة 21 المقترحة في الفصل الرابع، والمتضمنة فرض عقوبة “السجن المؤقت من 3 إلى 5 سنوات وبالغرامة من 2 إلى 4 ملايين ليرة بحق كل من ينشر أو يعيد نشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو إثارة الرأي العام”.

وكذلك المادة 22  المقترحة، والتي تنص على فرض عقوبة “السجن من سنة إلى ثلاث سنوات، وبالغرامة من 500 ألف ليرة إلى مليون ليرة على كل من نشر أو أعاد نشر على الشبكة أمراً ينال من شرف موظف عام أو كرامته في معرض ممارسته وظيفته”.

أكثر من ذلك…

فإن التعديلات المقترحة تتضمن فرض عقوبة السجن المؤقت لمدة ثلاث سنوات وبغرامة قدرها 7 ملايين ليرة على مقدم الاستضافة أو التطبيق على الشبكة، إذا قام بإفشاء معلومات جهة عامة… لكن ما هي هذه المعلومات التي تستحق مثل هذه العقوبة القاسية؟

في المادة الأولى، والتي تتضمن تعريفاً بالكلمات والعبارات الواردة في مشروع تعديل القانون، يرد التعريف التالي لمعلومات الجهة العامة: “المعلومات المتعلقة بسلطات الدولة أو الوزارات أو الإدارات أو الهيئات العامة أو المؤسسات والشركات والمنشآت العامة أو وحدات الإدارة المحلية أو المعلومات المحفوظة لديها.”

وعليه، فإن نشر أي معلومة عن جهة عامة مهما كانت، قد يكون سبباً في وصول البعض إلى السجن!

عموماً، يمكن القول إن مشروع التعديل المقترح يشكل خطراً مباشراً على الهامش المتبقي من حرية التعبير، ومن دون أن يحقق غايته في ضبط ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي لأسباب عدة، أشرحها في السطور التالية…

هناك شبه توافق بين السوريين على أن بعض ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي غير مقبول… وبات مقرفاً، لاسيما ما يتعلق بالإهانات التي توجه إلى الأشخاص، التعرض للحياة الشخصية، الاتهامات غير الموثقة، المعلومات والصور المفبركة، وغير ذلك.

لكن في المقابل، من حق السوريين، في ظل غياب وسائل الإعلام التقليدي الفاعلة والمؤثرة، التعبير عن آرائهم وطموحاتهم ومطالبهم على شبكات التواصل الاجتماعي، انتقاد أداء المؤسسات العامة ومسؤوليها، طرح الأفكار والمبادرات، وغير ذلك.

وثمة فرق جوهري وواضح بين الحالتين، رغم محاولة بعض المسؤولين مزجهما لمحاصرة أي نقد، وللتغطية على مظاهر الفساد والإخفاق وضعف الأداء.

فما العمل؟

لنعترف أولاً أن معظم المواقع والصفحات الإلكترونية التي تتناول شخصيات عامة بالتجريح وتكيل لها الاتهامات يميناً ويساراً، هي مواقع خارجية، وتالياً لن ينفع معها أي قانون محلي، إلا إذا كانت هناك اتفاقيات قضائية بين سورية وتلك الدول.

لذلك، فإن مواجهة التزايد الملحوظ للسطوة “السلبية” لشبكات التواصل الاجتماعي، يحتاج إلى العمل على ثلاثة محاور أساسية:

-المحور الأول:

دعم الإعلام التقليدي للعودة مجدداً إلى شغل المساحة التي تركها خلال الفترة الماضية واستغلتها شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا ملف يحتاج إلى شخصيات مؤمنة بالإعلام التقليدي ولديها من الخبرة والبراعة، ما يجعلها مؤهلة لتطلق مشروعاً وطنياً يعيد للإعلام التقليدي ثقة المواطنين به.

-المحور الثاني:

تأسيس محاكم للنشر ، تتولى النظر في الدعوى التي ترفع من قبل مواطنين وتتعلق بمنشورات على المواقع والصفحات الالكترونية بعيداً عن إجراءات التوقيف والسجن المؤقت، فاللجوء إلى القضاء حق لكل مواطن.

-المحور الثالث:

فصل الجرائم الواقعة على الأنظمة المعلوماتية والبرمجية عن قضايا النشر وحرية التعبير، وهذا يتطلب إعادة النظر في قانون الجريمة المعلوماتية ليكون خاصاً بالممارسات التقنية والفنية غير الشرعية.

وإذا لم يكن هناك رغبة بفعل كل ذلك… فعلى الأقل ليتم إعادة النظر بالتعديلات المقترحة، والاستعانة بكفاءات وخبرات، تكون قادرة على صياغة مشروع بعيداً عن العمومية والعبارات التي قد تحمل أكثر من تفسير… قانون يواجه الجريمة المعلوماتية ويصون حرية التعبير.