جديد 4E

 الاقتصاد السوري يحتاج لتحريكه إلى قانون (منافذ) يكسر حالة الركود ويزيد الإنتاج للحد الأقصى

 

 الحل لرفع معدلات الطلب والاستهلاك ومستويات المعيشة هو بالإنتاج ثم الإنتاج ثم الإنتاج… والبقية تأتي

 

(قانون المنافذ)

 

كتب الدكتور عامر خربوطلي:

هو ليس قانون بالمعنى المجرد للكلمة وانما – قانون المنافذ – هو مصطلح اقتصادي شهير مؤداه (ان كل منتج جديد يخلق بذاته قوة شرائية توفر له سوقاً أو منفذاً ).

لعل هذا الكلام الذي أطلقه المفكر الاقتصادي الفرنسي ( جان باتيست ساي ) عام 1803م هو أشد ما يحتاجه اليوم الاقتصاد السوري لإعادة  توليد الدخل بصورة ذاتية والذي يسهم في تحريك الطلب على السلع والخدمات ويكسر حالة الجمود غير المسبوقة التي تعاني منها أغلب الأسواق المحلية.

المطلوب اليوم تشجيع اغراق الأسواق بمنتجات جديدة تساهم في زيادة الطلب على العمالة وبالتالي إلى زيادة الأجور التي ستؤدي إلى زيادة الاستهلاك الذي يشكل المحرك الأساسي لإعادة استثمار الأموال في مشاريع منتجة وخدمات مطلوبة.

الإنتاج يعني مناخ عمل أفضل وتشريعات مشجعة وفرص مجزية وحالة سوق تنافسية غير احتكارية والإنتاج المطلوب يعني كفاءة أفضل لاستثمار الموارد المادية والبشرية والمصرفية لتحقيق أقصى عائدية للاستثمار .

نعود لما قاله ( جان باتيست ساي ) إن الإنتاج يتحقق بمشاركة ثلاثة عوامل: العمل ورأس المال والطبيعة (أو الأرض) ولكنه ألمح إلى أهمية دور المستحدث أو المبادر أو رائد الأعمال في تجميع عوامل الإنتاج وتناسقها واضعاً بذلك المقدمات لأعمال الاقتصادي الشهير (جوزيف شومبيتر) عن دور رواد الأعمال. ويرجع إلى (ساي) الفضل في إعطاء بدايات صحيحة لتفسير توضُّع قيمة السلع في السوق على أساس تقاطع قيمة الطلب وقيمة التكلفة. فقيمة الطلب أو قيمة الشراء، بحسب رأي ساي، تعادل قيمة المنفعة التي يكون المستهلكون راغبين عندها في شراء السلعة تبعاً لتقديرهم لمنفعتها. أما قيمة العرض، أو قيمة البيع، فتعادل التكلفة التي يتحملها المنتج في إنتاج السلعة، ولا يمكنه الاستمرار في الإنتاج إذا لم تكن القيمة في السوق مساوية لتكلفة إنتاجه، على الأقل. ولعل الإسهام الرئيسي الذي قدمه (ساي) لعلم الاقتصاد هو صوغ (قانون المنافذ) أو قانون الأسواق الذي يفترض أن عرض البضاعة يخلق بذاته طلباً مقابلاً. وإن البضائع، في رأيه، تبادل ببضائع أخرى. فقد كتب ساي يقول: «على أية حال فإنه بقدر ما يكون المنتجون متعددين والمنتجات كثيرة تكون المنافذ (إمكانية التصريف) سهلة ومتنوعة وواسعة». ذلك أن القوة الشرائية التي يتم إيجادها بوساطة المنتج الجديد تستخدم في نهاية المطاف لشراء المنتج ذاته، لأن الموارد التي يتم توزيعها لإنتاج هذا المنتج (قيمة المواد + أجور العمال + أرباح رأس المال أو ريع ملاك الأرض) تكون مساوية لقيمة هذا المنتج، ومن ثم فإن سعة المنافذ أو الأسواق تقاس بتكاليف الإنتاج أصلاً.

على الرغم من أن قانون المنافذ لا يعترف بإمكانية حدوث الأزمات الاقتصادية فإن الكثير من الاقتصاديين، ومن بينهم اللورد (كينز)  كان يفسر حدوث الأزمات بسلوك المستهلكين وإحجامهم عن تحويل نقودهم إلى سلع في الوقت المناسب(الميل إلى تفضيل السيولة). ولذا يرون أنه يمكن تسوية الأزمات عند حدوثها وتجاوزها بسرعة، بالتدخل الحكومي، وطرح قوة شرائية جديدة في السوق، بوساطة زيادة الإنفاق العام أو رفع مستويات الأجور، فيعود الاقتصاد من جديد إلى مرحلة التوازن، أي يعود قانون المنافذ إلى ممارسة الدور الذي كان يراه ساي.

بقي قانون المنافذ العقيدة المركزية في الفكر الاقتصادي حتى الأزمة الاقتصادية الكبرى في أواخر العشرينات من القرن العشرين. إذ بدأ كينز يدافع عن ضرورة تدخل الحكومات للتخفيف من حدة الأزمات عند حدوثها.

يمكن القول أخيراً بعد هذا العرض: إن الاقتصاد السوري يحتاج لإعادة تحريكه إلى قانون (منافذ) جديد يكسر حالة الركود ويزيد الإنتاج للحد الأقصى الذي يتلاءم مع مقدرات الاقتصاد السوري الزراعية والصناعية والخدمية ومن ثم لإعادة توليد الدخول الفردية وبالتالي إلى رفع معدلات الطلب والاستهلاك وبالتالي مستويات المعيشة فالحل هو بالإنتاج ثم الإنتاج ثم الإنتاج… والبقية تأتي.

 

العيادة الاقتصادية السورية – حديث الأربعاء الاقتصادي رقم (144)

دمشق في 10/11/2021.