جديد 4E

وفهمكم كفاية..؟!

 السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

 قد يبدو الحديث عن احترام القانون والنظام والدور نوعاً من الترف الاجتماعي غير الضروري في زحمة التداعيات الكارثية للحرب، وقد يرى فيه البعض أشبه “بالفزلكة” الثقافية التي تتحدث عن هموم الكتاب وإغلاق المكتبات وضعف الإقبال على النشاطات الثقافية لا الفنية وعزوف الناس عن القراءة، مع احتمال عزوف الناس عن الطعام بسبب ضيق الأحوال المعيشية والفقر المدقع الذي تعاني منه شرائح كبيرة، ولكنني في كل يوم أصل إلى قناعة راسخة بأن التمسك بهذه القيم الحضارية وتطبيقها، يمكن أن يخفف قليلا من وطأة الظروف الصعبة التي نعيشها، ويحسن قليلا من صورة الواقع التي تنوء بالكثير من الأسئلة المؤلمة حول المستقبل.

 جرّبت بالأمس أن احترم هذه القيم وأنا أتوجه إلى مجمع الأمويين للحصول على مخصصاتي من السكر الحر “المدعوم”، وكما العشرات الذين سبقوني منذ الصباح الباكر سجلت اسمي عند أحد المتبرعين بتنظيم الدور، ورحت أنتظر بدء التوزيع.. مضت أكثر من نصف ساعة قبل أن تفتح النافذة ويتضاعف عدد المحتشدين بانتظار الحدث السعيد، وينقسم الناس إلى ثلاثة أدوار، واحد للمدنيين وآخر  للنساء والثالث محشور بينهما للعسكريين وأصحاب النفسيات المحمضة، كان كل شيء يشي بالانتظام واحترام الدور حتى لحظة فتح النافذة، ولكن سرعان ما أصبحت الأدوار الثلاثة عشرة، وتحولت معه المساحة الضيقة أمام النافذة إلى حلبة صراع وركل وتسديد لكمات، واختلط الحابل بالنابل وارتفعت حمى الشتائم والسباب دون مراعاة للذوق العام، لتتبخر كل القيم التي كنت أفكر  أنها موجودة،  حيث داسها أصحاب الوجوه المصفحة بالاسمنت والحديد والحيونة (انتم أكبر قدر )، لدرجة أنني خشيت في لحظة ما أن يحتكم أحدهم للسلاح لحجز دور في المقدمة، ولا سيما أن الكثير من النزاعات والخصومات التي شهدناها مؤخراً حسمتها القنابل كأسوأ ما تكون مفرزات الحرب اللئيمة..!

 هذا المشهد  المنفر نعيشه يومياً في الكثير من الأماكن، ولعل ما يجري من عنف اجتماعي في تجمعات كهذه سببه الحالة النفسية المزرية التي وصلها البعض نتيجة ظروفه القاسية، فالتوتر والاحباط والغضب سمات بارزة أمام المخابز ومحطات الوقود ومراكز ومجمعات السورية للتجارة وفي حافلات النقل الداخلي والسرافيس وغيرها، وكل ما يحكى عن نجاح البطاقة الالكترونية بتخفيف حدة الأزمات والشجارات وإلزام الناس بالنظام والدور دون الطموح، وهذا يؤشر إلى أن القيم التي ذكرتها في طريقها للزوال، وهذا انعكاس لتدني الأخلاق في المجتمع وموت الضمير وعجز  المؤسسات المعنية عن الإصلاح أو الترميم.

 المفارقة الكبرى، أننا لا نشاهد مثل هذه الظواهر المؤذية للنظر في مراكز خدمة شركات الاتصالات مثلاً حيث تجري الأمور بسلاسة ودون عوائق، مع أن جزءا من طالبي السكر هم من مدمني النت والهواتف الذكية..!

 حاولت أن أفهم سبب أزمة السكر الحالية، فلم أجد سببا لذلك سوى الرغبة بإرضاء خاطر حيتان السكر الذين رفعوا  أسعارهم في السوق السوداء إلى أرقام قياسية، وقد سمعت أن  سعر الكيلوغرام الواحد يتجاوز ٤٠٠٠ ليرة في بعض المولات والمتاجر والمحلات، وهناك احتكار للمادة لزيادة أسعارها اكثر مثل الزيت النباتي والقهوة والشاي والموز والجوز والكاجو وغيره، ولا أرى حلا لهذه الأزمة سوى القيام بحملة وطنية لشرح أضرار السكر الابيض “الصناعي” على الصحة العامة، لكونه يتسبب  بما يلي: السمنة المرضية، مرض السكري، السكتات القلبية وارتفاع ضغط الدم، أمراض الكبد، الفشل الكلوي، أمراض المفاصل، حب الشباب، تآكل مينا الأسنان، كما أنه يتسبب بأنواع من السرطان ويزيد من وتيرة الالتهابات في الجسم، ويضعف إنتاج الكولاجين  والأخطر من ذلك كله أنه يؤثر على تدفق الدورة الدموية إلى جميع أنحاء الجسم بما في ذلك الأعضاء المخصصة للتكاثر والإنجاب ، وفهمكم كفاية.. وذنبكم على جنبكم.. وكانت النصيحة بجمل صارت ببلاش..؟!