جديد 4E

مشروع  استثماري..!

السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

من حسن حظّي أنني أقلعت عن عادات كثيرة مؤذية مثل ارتياد المطاعم والشاليهات والفنادق والمولات التجارية ومعارض السيارات وأسواق “الخير”..إلخ، كي أوفر على نفسي المزيد من النكد والتنغيص والأحلام العبثية، وإذا استمر الوضع الاقتصادي على هذا النحو “الرومانسي” فقد أقلع عن زيارة أسواق الخضار ومحلات السمانة والبقاليات ومطاعم الفلافل والفول والحمص، وربما “أقلَع” أضراسي و”أقلِع” نهائياً عن عادة الأكل “الضارة” والمسببة للكثير من المتاعب، وقد أمتنع عن عادة السفر وزيارة الأهل والأقارب بعد أن ارتفعت تكاليف التنقل بين المحافظات، وصار سعر ليتر البنزين الحر ما يقارب الأربعة آلاف ليرة، وأنا هنا لا أغمز من قناة “الأسعار” التي جرى تثبيتها على خصر ومؤخرة “العفو منكم” إحدى الراقصات المشهورات..ووزارات الدولة المعنية بما فيها وزارات السياحة وحماية المستهلك والنقل لم تقصر أبداً، والكل مدعو للمشاركة بحفلة الرقص!

بالأمس حدث أمر جلل جعلني أعيد حساباتي، فالسورية للتجارة عرضت الفروج المذبوح في صالاتها بمبلغ 6000 ليرة للكيلو غرام الواحد، فهبّ الجميع إلى الصالات للمشاركة بهذا الحدث العظيم، ليس مهما أن تشتري لأن غالبية ذوي الدخل المحدود أفلست منذ أيام، بل المهم أن تتواجد في الصالات وأن ترسم على وجهك الكالح  ابتسامة عريضة أمام كاميرا التلفزيون التي هبّت لتغطية الحدث بكل حماس في العديد من المناطق، والأروع من ذلك أن “السورية للتجارة” دعت المواطنين لاستبدال مخصصاتهم من “الرز المسوّس” في حال لاحظوا وجود السوس فيه، ولا أعلم ما هو حال الذين يحصلون على الخبز الرديء وما إذا كان بالإمكان استبداله أو استخدامه علفاً للطيور..؟!

قبل سنوات قرأت رواية فيسبوكية ساهمت بالإطاحة بكل عاداتي السياحية المجنونة، تقول الرواية إن أحد المطاعم قدّم لأحد زبائنه فاتورة تتضمن بنداً اسمه “رسم عدم طلب أكل” طبعاً إلى جانب رسوم الإنفاق الاستهلاكي وإعادة الإعمار والإدارة المحلية وما إلى ذلك من اختراعات وطنية “ذكية”، وقد استغربت أشد الاستغراب لماذا تم تجاهل رسوم أخرى مثل “عدم الاصطدام” بسيارة مسرعة، أو “عدم الوقوع” في ريغار مفتوح أو “التعثر” بحفرة منسية أو مطب قاس، أو “عدم التشاجر” مع سائق تكسي أو سرفيس، أو عدم التعرض للنشل في باص نقل داخلي، أو عدم ارتداء سروال سباحة على البحر في موسم الاصطياف..؟!

ورغم استغرابي لهذه القصة إلا أن مخّي «التجاري» شرع بحساب الأرباح المتأتية من مشروع استثماري كهذا، وخطر في بالي أن أفتح مطعماً سياحيا من تعويضاتي الوظيفية “المحسوبة على راتب عام 2013” وأن أضيف إلى رسوم فواتير المطعم رسم “عدم دخول ” ليتحول جميع زوار المدينة إلى زبائن دائمين لديّ، تماماً كما تفعل مؤسستي والمياه والكهرباء التي تحصّل فواتير ورسوم على خدمات لا تقدمها، إذ يؤكد  بعض الأصدقاء أن الكهرباء في ريف الساحل ومدنه شبه مقطوعة- تأتي ساعتين باليوم فقط – وإذا جاءت فلمجرد تذكيرهم بأن هناك وزارة كهرباء مشغولة بتنظيف البحر من بقايا الفيول المتسرب، في حين تقوم مؤسسة المياه باللاذقية بتحصّيل فواتير من أهالي الريف على مياه يحلمون بقدومها طوال العام.. وكما ستفعل وزارة النقل التي ستقوم قريباً باستبدال لوحات السيارات لمجرد التقليد وابتزاز أصحاب السيارات برسوم ومبالغ جديدة..!

وإذا حالفني الحظ وحصلت على القليل من “الدعم” سيصبح جميع أبناء البلد زبائني، فإضافة رسم مثل “عدم التفكير بالسياحة” إلى الفواتير.. ورسم “التفكير بالهجرة” سيجعلني “أوناسيس” زماني في بضعة أشهر..!

وإذا ما حصلت على “دعم” أكبر فقد أوسع نشاطاتي “السياحية” إلى خارج البلد وأقبض بالعملة الصعبة.. والله أعلم..؟!