جديد 4E

ماذا في حقيبة بايدن غير المسدس ؟؟ لعبة الانتظار وحقيبة النار

نارام سرجون

ما أصعب الانتظار .. الانتظار هو لعبة الموت المفضلة .. منذ ان يولد الانسان وفي لحظة الميلاد يبدأ لعبة الانتظار .. انتظار الاقدار والمستقبل وانتظار الموت .. وكأن نهاية اللعبة هي الموت دوما .. وكأن الانتظار هو سمّ الزمن البطيء الذي يقتل ..

ولذلك فإنني لا أحب أن انتظر طويلا في قضايا السياسة .. فكل انتظار في السياسة يعني انتظار الموت لحلم او مشروع .. ولو عدنا الى تاريخ الشعوب لوجدنا ان الأمم التي انتظرت هي الامم التي خسرت .. وأن الأمم التي انتصرت هي الامم التي ما انتظرت ..

الامريكان ليسوا صناعا للتكنولوجيا بل صناع ساعات الانتظار الطويل وأيام الانتظار الطويل وعقود الانتظار الطويل .. وعدة الانتظار لديهم هي التي يسمونها “المفاوضات” .. فالمفاوض الامريكي يشتري زمنا بالوعود السخية .. ويستحيل ان يفاوض الامريكي حول اي شأن الا ويكون يحضّر أمرا ما يغطيه بالمفاوضات .. فالمفاوضات في العقل الامريكي ليست للوصول الى حلول بل هي مناورة لكسب الوقت واستراحات من المعارك والهدف النهائي لايتغير على الاطلاق .. الهدف النهائي تغير فقط عندما كان الطرف الخصم يرفض التفاوض الا لفترة وجيزة وغالبا يتفاوض دون هدنة ودون وقف اطلاق النار .. فيما الامريكيون يفاوضون الى ما لانهاية ودون سقف للزمن لأن وقف النار هو لعبة انتظار قاتلة .. وفي الوقت الذي ينصبون فيه طاولات التفاوض فانهم يصنعون الالغام ويزرعونها وينسجون المؤامرات تحت الارض وتحت طاولة المفاوضات .. وعندما يتحطم الخصم تنتهي المفاوضات وتنتهي النار .. وتنتهي فترة الانتظار .. بموت الخصم الذي دخل لعبة الانتظار .. وهذا النوع من الحروب لااسم له .. ولكنه يستحق ان يكون حروب الجيل صفر .. لانها ديدن السياسة الامريكية منذ لحظة تشكلها ..

ادارة بايدن ليست ادارة جديدة .. بل هي استمرار لكل الادارات الامريكية .. والتي لها في كل قضية هدف واحد تديره بالمفاوضات ريثما يصنع ترياق سام او يصل دور المسدس .. حيث لاتنتهي فترة الانتظار والتفاوض طالما ان الخصم قوي فيما هي تسير نحو هدفها الذي لايتغير ..

وهذا هو اساس اميريكا التي كانت تفاوض الهنود الحمر الى مالانهاية والذين انتظروا كثيرا وعود المستوطنين بالسلام وتلقوا 6000 وعد بالسلام في 6000 اتفاقية سلام .. ولايزالون ينتظرون في مقابر الابادة الجماعية ولم يصل السلام اليهم حتى الى قبورهم …

وبعد عشرات آلاف ساعات المفاوضات مع الفلسطينيين ومئات الموفدين والمبعوثين الامريكيين لم يصل الفلسطينيون الى أي هدف وكانت النهاية من كل المفاوضات هي تشتيت الفلسطينيين وتمزيقهم بين فتح وحماس .. فهناك اليوم بسبب لعبة الانتظار التي انطلقت في اوسلو فلسطينان .. فلسطين حماس وفلسطين فتح وهذا هو ثمرة المفاوضات ولعبة انتظار اميريكا .. وكلما انتظر الفلسطينيون ستظهر نسخة قزمة من فلسطين .. لأن فلسطين واحدة .. وفلسطين ظلت واحدة موحدة الى ان لعبت اميريكا لعبة المفاوضات .. ولن تعود فلسطين واحدة الا عندما تتوقف لعبة المفاوضات .. ولعبة الانتظار القاتلة ..

وبعد مئات ساعات المفاوضات بين السوريين والاسرائيليين وفق الاشراف الامريكي وآلة انتظار الزمن الامريكية والتدخل الامريكي في المفاوضات .. كانت اميريكا تدير لعبة الانتظار بمهارة .. كل يوم مبادرات ومفاوضات ومبعوثين وودائع لاتغني ولاتسمن بانتظار ان يموت الأسد الأب .. وكان الراحل حافظ الاسد هو الوحيد الذي يحبذ لعبة الانتظار مع الامريكيين في وقت غاب فيه كل العرب وغاب فيه السوفييت لأنه هو أيضا كان يلاعب الأمريكيين نفس اللعبة وبنفس الطريقة .. يفاوضهم ويصنع لهم تحت الطاولة كل مايقلق راحتهم ويبعدهم عن الشرق .. فطردهم من لبنان بالنار وهو يرتدي قفازات المفاوض ثم أطلق العنان للمقاومة اللبنانية ضد مشروعهم العزيز في الاستيطان الصهيوني .. وكانت تلك قمة الروعة في سياسة الانتظار السورية فهو يفاوضهم في الجولان ولكنه لايوقف لعبة النار في لبنان حيث يذيقهم العذاب والجحيم ..

اليوم لايزال ساسة الشرق الاوسط ينتظرون ماسيخرج بايدن من حقيبته بعد 3 اشهر من وصوله الى البيت الابيض .. ولكن بايدن يخرج دفاتر المفاوضات الكبيرة والعديدة ليضعها على الطاولة فيما هو يرتب شيئا آخر تحت الطاولة .. لان الحقيبة الحقيقية فيها مسدس لاطلاق النار .. لأنه يريد بالاوراق ان يخفي المسدس .. فيما الاوراق تؤدي الى تشقق الحلفاء بالمفاوضات .. قبل ان يبدأ باطلاق النار ..

فليس من قبيل الصدفة ان تنطلق مناوشات اوكرانيا وروسيا مع طاولة المفاوضات مع ايران مع اطلاق الجولاني في ادلب .. لأن اشغال روسيا بالمفاوضات بشأن اوكرانيا هو لتثبيت جبهات الشرق الأوسط في العراق وسورية ريثما تدخل آليات اللعبة الامريكية القادمة لفرض واقع يريده لابقاء الوجود الروسي في سورية محاصرا .. وهي نفس لعبة الرقص مع السوريين والايرانيين بعد تقرير هاميلتون بيكر .. ففي الوقت الذي كان جون كيري يتناول عشاء عائليا مع الرئيس بشار الاسد في دمشق كانت معسكرات اللاجئين تحضر في تركيا وشمال العراق وكان مشروع الربيع العربي وداعش قد نضجا ..

واليوم بعد انتظار بايدن انطلقت شرارة اوكرانيا مع مفاوضات ايران .. فاذا اراد الروس التخفيف عن جبهة اوكرانيا بالضغط في شرق الفرات والعراق وادلب بالتنسيق مع ايران وسورية فان الجولاني سيكون جنديا من جنود المارينز وقد يرسل جنوده الى اوكرانيا لاثبات حسن نيته .. و ايران ستكون منشغلة بالمفاوضات النووية المليئة بالوعود والسمن والعسل .. والجزر .. وقد تجد ان الأجدى الانتظار لأن الامريكي وعد بالانسحاب … لأن الاميريكي في نفس الوقت يقدم وعودا تفاوضية لايران بشأن الملف النووي والانسحاب من العراق ولكنه يماطل ولن ينسحب الا تحت النار ..

وفي لعبة انتظار النار التي يديرها الامريكي داخل ايران يدرك الأخير ان انتخابات ايران خلال أسابيع .. وفي ايران قوتان تتنافسان .. قوة احمدي نجاد الطامحة والميالة لخيار ايران أقوى مع الجميع .. وقوة ورثة رفسنجاني الميال لخيار ايران أولا .. التي يوازنها المرشد بتدخل حكيم ومحايد .. ولكن المرشد يدرك ان خيبة أمل جماعة (خيار ايران اولا) قد تتحول الى قوة مفرملة وهي التي تلجم ايران من الردود الواسعة على استفزازات الامريكيين .. ويقال انه لو كان تيار المتشددين في ايران لحظة استشهاد قاسم سليماني فان الرد سيخرج من اطار الحسابات الدقيقة للربح والخسارة التي تفرضها كتلة البازار وسيكون المرشد ميالا لكفة الرد الأقوى وليس المحسوب ..

اللعبة الامريكية حسب من يراقب اللعبة وصار خبيرا بها ربما تنتظر انتخابات ايران .. ولكنها تريد كسر هيبة الدولة الايرانية بالنار أمام معارضيها وهي تتحدى وتبلغ ايران انها قتلت سليماني وهي تعلم بعملية قتلت العالم النووي وتعلم أن اسرائيل هي التي تفجر في المفاعلات النووية لاجبار واستدراج الدولة الايرانية للتورط في الردود الانفعالية .. وهذا اما انه سيدفع ايران للرد واغضاب الشعب الايراني من تيار الاصلاحيين ويدفع بالمتشددين الى الفوز .. فاذا وصل نجاد فانها سترفض رفع العقوبات .. واميريكا لن تعود عن العقوبات مع تيار نجاد لأن له آراء وسياسات خطرة .. وتجعل التيار الذي انتظر طويلا انهاء العقوبات يحس ان خصمه صار تيار نجاد الذي عطل المصالحة مع الغرب ..وقد يصطدم الطرفان .. أما اذا قدمت لتيار المحافظين الاتفاق النووي الجديد فانها ستكون ربما قد حيدت ايران عن مسار روسيا التي ستركز على اوكرانيا لأنها تحتاح ايران في سورية ..

اذا احتفظنا بهذه الرؤية عن ان لعبة اميريكا هي التفاوض المديد وثماره النارية في اي حالة فان سياسة المحور المقاوم يجب ان تكون الرفض لأي تفاوض بلا سقف الزمن القصير جدا .. فالفيتناميون فاوضوا الاميريكيين في حرب العصابات فقط ولم يوقفوا القتال وهم يفاوضون فترة قصيرة ولذلك انتصروا ..

وحزب الله لم يكن يفاوض الا وهو يطلق النار ولذلك انتصر .. وكل من دخل المفاوضات وأوقف اطلاق النار خسر الحرب .. فالمفاوضات بلا حرب هي لعبة انتظار قاتل فيها يتسرب التشقق للبنادق والرطوبة للبارود وتنمو الفتن والمصالح والانشقاقات ..

السوريون والايرانيون كانوا في منتهى الحصافة عندما لم يتورطوا في لعبة الانتظار عندما دخل الاميريكيون العراق .. فقد استلوا اسلحتهم ورماحهم وبدؤوا عملية طعن الجاموس الامريكي .. والتفاوض كان يتم فيما الثور ينزف .. ولذلك انسحب الاميريكيون من العراق من دون شروط تقريبا ..

حسب المعلومات المتاحة فان محور المقاومة استوعب التجربة مع الاميريكيين .. وهو بصدد اغلاق فترة الانتظار .. والبدء بالتفاوض بالنار .. كما ان روسيا بدأت برفع سبابتها في وجه اردوغان الذي استدعاه بايدن .. وقررت روسيا ايقاف حركة الطيران مع تركيا بحجة كورونا .. وحرمان اردوغان من السياح الروس .. كما ان لافروف بدأ يوبخ الاتراك علنا من زج انفهم في اوكرانيا ..

حقيبة بايدن لن تحميه اذا طبقنا نظرية اسقاط حروب الجيل صفر القاتلة .. فليس هناك من يؤمن بأي ورقة في الحقيبة البايدينية لأنها حقيبة مشعوذ ودجال نصاب .. يظهر الاوراق والدفاتر والملفات والعروض ولكن كل شيء مزور وملفق .. وما تحت الاوراق مسدس الكاوبوي الذي ينهي كل المفاوضات .. والا لماذا ظهر الجولاني مع انطلاقة بايدن وقد صفف شعره وغسل وجهه من آثار الدم؟ انها عدة الشغل الامريكي .. مفاوضات تحت النار بالارهابيين ..

لن تمضي اسابيع الا ويفاجأ بايدن ان حقيبة المشعوذين لن تنفعه .. والمسدس الذي معه لن يحميه .. انه صيف الحقيبة السورية الايرانية الروسية مقابل حقيبة بايدن .. فأي الحقيبتين ستقول الكلام الفصل ..؟؟

مدوّنة نارام سرجون – تاريخ النشر 13 / 4 / 2021 م