جديد 4E

ثقافة الاعتذار

حسين صقر

ليس هناك أجمل من الاعتراف بالأخطاء، لأنه من قمم الفضائل، ويوازي الصدق والشفافية، حيث الصدق من الإيمان كالرأس من الجسد، وليس هناك أجمل من العودة عما نرتكب من خطايا، على أن يكون ذلك نابعاً من الذات، ودون أي مواربة أو تبييت نيات، عندها تشع القلوب نوراً، و تتملك الأرواح السرور والغبطة.

 فالاعتذار يولد في النفس الطمأنينة، ولا يجعلك تتردد في متابعة ما أنت عليه من خصال، وبدلاً من أن تنقطع المروءة من رأسك، تفيض بالمشاعر الإنسانية أكثر من ذي قبل.

فالاعتذار النابع من السريرة النقية والصافية يعكس معدن الإنسان ورقيه، ولن أقول طيبته، لأن الطيبة في زمننا باتت مبعثاً للإحباط، وأصبح المتصف بها محط اتهام بأنه ساذج وعلى السجية.

دعوة للاعتذار الصريح ممن نخطئ بحقهم، لأن ذلك سيكون بمثابة صابون سحري ومنظف فائق الفعالية للقلوب والسرائر، على أن يتم ذلك دون تلميح وجس للنبض ومحاولة لتلميع الأحاسيس الكاذبة..

 ثمة من يعتقد أن الاعتذار نقطة ضعف لا يجب إظهارها، لأنهم يعتبرونها دليل انكسار وهزيمة لا تليق بهم، ومن هذا المنطلق فإن أشد المكابرين الرافضين للاعتذار، هم من الذين يصنفون أنفسهم كطبقة مثالية لا تخطئ وإن أخطأت فهي سامية لا تعتذر لمن هم دونها مرتبة.

يتناسى هؤلاء أن الاعتذار ليس دليل ضعف أو فشل، كي نخجل منه، بل يكفي أن نعلم أنه مجرد اعتراف بالخطأ ورجوع عنه، وبالتالي فإن ترجمة هذا الشعور إلى فعل حسي ملموس، يحتاج إلى قوة محركة تجبر النفس على النزول إلى الحق ومحاسبة الذات، وهذا لا يكون إلا عند من ملك صفة الشجاعة، وهنا أجدها فرصة للحديث بأن الدول التي أساءت بحق سورية، وحاربتها وكانت ضدها، وجلبت الإرهابيين من كل حدب وصوب لتدميرها، ماذا لو اعتذرت واعترفت بخطئها وتسامت عن الأفعال الجرمية التي ارتكبتها..؟

ففي بعض المجتمعات يعتبر الاعتذار جزءاً من مقوماتها وثقافتها الفكرية، فتراهم يزرعون في أطفالهم ثقافة الاعتذار منذ الصغر وينمون لديهم هذا السلوك، ويحفزونهم عليه.

فالاعتذار ليس كلمة تقال في زحمة الحديث وتبرير الخطأ، أو البحث عن مخرج من الورطة التي سببها سلوك ما خاطئ، فالاعتذار يعني الاقتناع التام بأن هناك خطأ ينبغي تصحيحه، وهو ما أوجبه، وبالتالي فإن نوع الاعتذار لابد وأن يقترن بنوع الخطأ وحجمه، أن نخطئ فنعتذر لا يعني أننا أشخاص سيئين، بل جيدين لأننا نحاول إصلاح أخطائنا، فليس من بشر معصوم عن الخطأ بعد الرسل.

ولهذا من الضروري أن تتعاضد النفوس لجعله ثقافة حقيقية تسود المجتمعات، وأول ما يطبقه الأفراد لأنهم اللبنة الأولى والأساسية في تلك المجتمعات، فضلاً عن أنه يعبر عن التسامح والصدق والقوة وصفاء القلوب.