جديد 4E

«حين تبلغ الزرقتين»!

يسرى المصري

بعض الكتب نشتاق إليها ونجد أنفسنا نسترجع أفكارها حتى نبلغ الزرقتين علواً ومدى السماء والبحر، كما يضيق المحيط بشطآنه تجد الفكر الإنساني يضيء كبصيص من النور على الوجود، والمفكرون مصابيح ينعكس نورهم على الحياة ، فمتى نبذر للمفكرين أجود البذور ونعتني بتربتهم تثمر غراساً في حياتنا كأجمل الإبداع؟

حوارات النفس والروح في الحكم العطائية.. في كل مرة أقلّب صفحاته أجد نفسي أتفق مع الكاتب بأن من يمتلك عبقرية لا يمكن أن ينتهي مع مراسم التشييع إلى مثواه الأخير ! فمازال في جعبته ما يستحق فتح حوار معه عبر بريد السماء ..هذه الفكرة الجميلة للكاتب أسعد الجبوري يخطب بها الشعراء والأدباء متخيلاً ما قد يكون عليه حالهم ويستعرض أهم ما جاء في فلسفتهم بقالب جديد وشائق ويمكن عدّ هذه الحوارات الثقافية والاجتماعية والأدبية بمثابة فتح ثقافي جديد مع شعراء نائمين في غرف الغيب التي تجعلنا نتواصل مع قامات أحدثت فرقاً في حياة البشر الفكرية، حيث يغوص المبدع الشاعر والروائي العراقي الجبوري في كتابه في أعماق شخصياته الأدبية التي يجري معها سلسلة حواراته الافتراضية هذه ويشتغل فيها كناقد وباحث اجتماع أدبي ومحلل نفسي مرة واحدة وهي طريقة مبتكرة وتنطوي على دلالات وكشوفات تفوق عشرات الدراسات التقليدية التي كتبت عن المبدعين من أمثال: أمل دنقل والجواهري ونزار قباني وهوميروس ومحمود درويش و توماس ستيرانز واليوت وفلادمير ماياكوفسكي وأبو الطيب المتنبي وشارل بودلير وغيرهم، وهذه الحوارات العبقرية ليست بالجديدة، فرسائل الغفران – وهي إحدى روائع الأدب العربي في العصر العباسي – كتبها أبو العلاء المعري يصف فيها رحلة بطل الرسالة وهو ابن القارح، بين الجحيم والجنة، فكان يتنقل ليرى مراتب الشعراء بأسلوب سخرية، اختلط فيها الديني الغيبي بما هو دنيوي واقعي وبما هو خيالي، وقد رأى كثير من النقاد أن الكاتب الغربي دانتي الألجيري تأثر به كثيراً في كتابه الكوميديا الإلهية التي بطلها الشاعر الروماني فيرجيل، حيث تبدأ من الجحيم في حين إن رسالة الغفران تبدأ في الجنة .