.. قررنا نسلق بيضة؟!
عبد الحليم سعود:
باتت الكتابة في الشأن الوطني وهموم الناس مليئة بالمطبات والمحاذير (رغم أنها عند جماعة الفيسبوك أسهل من سلق البيضة) وثمة من يبالغ بوصفها ليقول إنها أشبه بحقل ألغام، لكثرة “الجهات” التي تترصد للاصطياد في الماء العكر، وقد ساعد في ذلك إلى حد بعيد التفسيرات المطاطة لما يسمى بقانون الجريمة الألكترونية، وللأسف ثمة حالات شغلت الرأي العام رسخت لدى البعض أن هذا النوع من الكتابة محفوف بالمخاطر والمحاذير، وهو ما دفع بالكثيرين لرفع مستوى الحيطة والحذر إزاء ما يتناولونه في مقالاتهم مخافة الانزلاق إلى ما لا يحمد عقباه.
رغم ذلك، ما زلت عند قناعتي بأن الكتابة يجب أن تكون صوت الضمير الحي في الكاتب، لكي تعبر أصدق تعبير عما يجول في خاطره إزاء القضايا التي تمس مصالح الوطن والناس، ولو أدى ذلك إلى مواقف صعبة أحيانا، فالشجاعة والجرأة والموضوعية وحمل هموم الوطن والناس ليست بالأمور المتوفرة في أي كاتب.
في أيامنا هذه لم يعد هناك ما يمر مرور الكرام، ولاسيما إذا كان يمس الفساد والمفسدين (حيتان البلد والسوق ) ، فحين تكتب في هذه المواضيع ثمة من يتهمك بفتح معركة في غير أوانها، ولاسيما أن البلد تواجه حربا طاحنة وحصارا جائرا، وعندما تتحدث عن الحصار الخارجي ثمة من يتهمك بتغطية سوء الأداء الحكومي وتبريره، أما حين تكتب عن سوء الأداء الحكومي في معالجة الأزمات ستجد من يتهمك بالعمالة لقوى خارجية والإساءة لجهود الحكومة، وحين تكتب عن ازمة البنزين وطوابير السيارات الواقفة أمام الكازيات لأيام (بالمناسبة حلمت بأن الأزمة انتهت ولكني استيقظت على هولها أمس) ستجد من يقول لماذا تتجاهل السرقة العلنية للنفط السوري، وعندما تكتب عن النهب الاميركي كسبب للازمة، ستجد من يقول لك هو موضوع توريدات فلماذا لا تكتب عن تأخيرها وعن الخروقات المخجلة التي تحدث على الكازيات من تلاعب بالدور وتقاضي الاتاوات (فهذه مسؤولة عن جزء من الازمة )..!
وإذا تحدثت عن الأسعار المرتفعة جداً ستجد مسؤولا اقتصاديا يبرر ارتفاعها بازدياد كلفة الإنتاج وقلة التصدير، ولا أعلم لماذا لا ننتج ولا نصدر (شغالين استيراد سيارات وجوالات وسلع كمالية على مدار الحرب) رغم أن المصرف المركزي يمول المستوردات بدولار متدن للمستوردين، ويترك لهم حرية رفع اسعارهم حتى يشبعون ولا يشبعون، وإذا تحدثت عن انقطاع الكهرباء الطويل، فسيهاجمك جماعة الفيول(مفردها فيل) ..ويقولون لك الفيول غالية والكهرباء في سورية هي الأرخص في المنطقة والعالم ( ولو ركبنا عنفات هوائية تشتغل على طاقة الفصل والقطع لما انقطعت الكهرباء في بلدنا )..؟!
أما عندما تتحدث عن أزمة الخبز وما يحدث على الأفران من اتجار شايلوكي بالخبز المدعوم ستجد من يسألك هل أنت ضد الدعم أم تريد الناس أن تجوع، وحين تأتي على ذكر مخاطر العدوى بكورونا بسبب الازدحام ستجد من يقول شعبنا بألف خير وقد اكتسب مناعة، وحين تقول له أن المشافي تغص بالمرضى وأنها عاجزة عن معالجة الحالات التي تصلها، سيقفز أحد (الرفاق) ليقول لك أنت تشوه صورة البلد، ولا تقدر قيمة الخدمات المجانية التي تقدمها وزارة الصحة، إذاً بكل بساطة لن تجد رضى وتجاوبا مع كل ما تكتب، لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك، وإذا أردت أن ترضي ضميرك فقد تجد نفسك في وضع محرج لا يرضيك…ولذلك وانسجاما مع كل ما سبق ما رأيكم أن (نسلق بيضة) على رأي المبدع زياد رحباني ..فهناك فرق بين السلق والقلي.. كما أن فوائد البيض المسلوق أكثر من المقلي….بالمناسبة ( شو سعر البيض ها الأيام.. حدا يخبرنا فربما ننتقل الى البطاطا المسلوقة .. وعمرو ما حدا يورت)..؟!
