جديد 4E

السوريون .. بصمات لا تُنسى

وفي اغترابهم ..قصص نجاح مثيرةٍ .. ولا تنتهي

حسين صقر

أينما ذهب السوري وأنى توجه في أصقاع العالم المختلفة، يترك بصمات لا تنسى، ويدون قصص نجاحاته المختلفة على كافة الصعد وفي كل المجالات، سواء كان مهاجراً أم قاصداً وجهة عمل، أم كان  زائراً..

وفي هذا السياق واستكمالاً لتلك النجاحات، تتالى حكايات نجاح اللاجئين السوريين في أوروبا، وهي أكثر من أن تعد أو تحصى، سواء كان اللاجئ طالباً أم خريجاً، ام حتى عاملاً بسيطاً، فهو يترك أثراً جميلاً بين زملائه، انطلاقاً من إصراره على التميز والنجاح، والسير بإرادة صلبة لإتمام مسيرة حياته العملية والاجتماعية، بعد الاندماج وتعلم اللغة التي ستكون وسيلته الوحيدة للتواصل مع أبناء البلد التي يقيم فيها.

سكسونيا

سمر شاكوش إحدى هؤلاء الفتيات اللواتي قصدن ألمانيا بعد خروجها وعائلتها من إحدى القرى هرباً من إجرام العصابات الإرهابية، وبعد خسارة كل ما يملكون في الوطن الأم، حيث لم تستسلم رغم كل الظروف، ولم يكن خروجها عام ٢٠١٣ نهاية الحياة مع ان عمرها آنذاك كان ٣٦ عاماً، لذا قررت أن تواجه الحياة الجديدة بكل عزم و صلابة، ومازالت مستمرة بذلك.

وتقول شاكوش خلال تواصلنا معها: إن الحياة صعبة بالتأكيد، ولكن ما يجعلها جميلة هو إحساسنا بالإنجاز الذي نصل إليه بعد رحلة طويلة وشاقة، مستذكرة تفاصيل مريرة حين اضطرت لمغادرة سورية.

وتضيف شاكوش أنها جاءت مع ولد وطفلة وكثير من الإصرار والطموح والأحلام  إلى بلد لا تعرف لغته ولا عادات أهله ولا حتى أقل تفاصيل الحياة وطقوسها.

وبدأت رحلتها من أم شابة لطفلين، حيث لم تكمل تعليمها في سورية نتيجة بعض الظروف المعيشية والعائلية والزواج، لتتحول خلال أقل من سنتين من مجرد لاجئة غريبة إلى متحدثة ناجحة باللغة الألمانية، وهكذا استعدت للاختبار النهائي الذي أهلها  للعمل بأحد المستوصفات الذي تعلمت فيه بعض الإسعافات الأولية وإعطاء الحقن أو الأبر.

وتقول: إنه في المركز الصحي أو المستوصف راودتها فكرة إتمام الدراسة، وتقدمت باختبار إلى إحدى الثانويات التي تم قبولها فيها كطالبة بكالوريا، وبدأت منذ ذلك الصيف بالاستعداد والتحضير والاطلاع على المنهاج من خلال بعض المواقع التعليمية الخاصة بالشهادة الثانوية، فباشرت رحلة جديدة شاقة بين منزلها ومدرستها والمركز الصحي الذي انتقلت فيه لدوام مسائي، وذلك بهدف التوفيق بين خطوط ومسارات تلك الرحلة المضنية.

وبعد عام من التعب والسهر المتواصل، واللقاءات مع بعض الأصدقاء الذين ساعدوها بالمنهاج، بدأ العد التنازلي، واقترب الامتحان الذي سيكون نقطة تحول في حياتها، حيث مفترق الطرف الذي تقف عليه، تسحب أحد تفرعاته ومسالكه رجليها نحو كلية الطب.

دخلت السيدة شاكوش الامتحان برباطة جأش وثقة عالية بالنفس، لأنها تعرف إمكاناتها وقدراتها جيداً أفضل من اي أحد آخر.

تقدمت لأول مادة ..فالثانية والثالثة، وكل يوم تضيف إلى برنامج أيامها ساعات من الفرح والسعادة، بعد أن أيقنت انه سيتحقق لها ما تشاء وتريد أو ترغب.

 وتروي السيدة المكافحة قصتها بعزة وافتخار، موضحة انها انتهت من المواد بخير وسلام، وبدأت بارقة الأمل تلوح في الأفق، بأنها سوف تحصل على معدل عال يؤهلها لدخول كلية الطب، ولكن في مقاطعة سكسونيا لأن المعدلات في العاصمة الألمانية برلين كانت مرتفعة قليلاً، ولم تحقق المطلوب لدخول الكلية الحلم، لكن تحقق لها ذلك.

 السيدة شاكوش اليوم في السنة الثالثة بكلية الطب بعد معاناة كبيرة مع المنهاج واللغة وطرائق التدريس والبرنامج المعتمد.   

فمنذ ثلاث سنوات لم تعد رحلة العذاب المحفوفة بالمخاطر عبر البحر نحو أوروبا في ذاكرتها، لأن ذاكرتها بدأت تمتلئ بالأحلام والأيام الجميلة التي تنتظرها بعد سنوات قليلة من التخرج، وبكثير من الرغبات التي  تدفعها لضمان مستقبل أفضل لها ولطفليها.

 وتقول السيدة المهاجرة: لم تكن وحدها من بين  مئات المهاجرين الآخرين، قد حققت حلمها، فإلى جانبها كان المئات من الطموحين الناجحين الذين يتابعون مسيرة حياتهم بعيداً عن أي ملل أو يأس .