جديد 4E

بين التي واللُتيّا المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى طناش .. والأمل بإحيائها من تراجعٍ إلى تراجع

علي محمود جديد

على الرغم من أن مجلس الوزراء أظهرَ من بدايات اجتماعات الحكومة الجديدة برئاسة المهندس حسين عرنوس اهتماماً بإنعاش المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوقعنا أن هذا الاهتمام سيكون جدياً ومتسارعاً باعتبار أن هذه المشاريع تشكل حالة إنقاذية للبلاد، ورافعة حقيقية للاقتصاد الوطني في هذه المرحلة على وجه الخصوص، ولكن – على الرغم من ذلك – ما يزال التلكؤ والتردد والأخذ والرد هو سيد الموقف ..!

فالمشاريع الصغيرة والمتوسطة هامة جداً، ومن واجبنا جميعاً الإلحاح على تدوير محركاتها بالشكل الضامن لتقدمها واستمرارها بلا توقف، لأنها تبعاً للعديد من الدراسات والتجارب، وحقائق الأمر الواقع تعمل كمولد للموارد البشرية والمالية ومن خلال هذا التفاعل بين الموارد البشرية والمالية سيتم تطوير الاقتصاد بشكل عام . فهذه الشركات سوف توظف القوة العاملة (رأس مال بشري) إضافة للمدخرات (رأسمال مالي) لأهداف استثمارية وإنتاج البضائع والخدمات المتنوعة والناتج سيكون زيادة في معدلات العمل والإنتاج، وبالتالي زيادة في التطور الاقتصادي والاجتماعي.

وتشير توصيفات هذه المشاريع بأن نشاطاتها تتطلب مساهمة مختلف الأطراف العاملة في الاقتصاد بغرض الحصول على منتجات أكبر وتشغيل يد عاملة أكثر بأقل تكاليف ممكنة، فإن هذا يعني استخدام أفضل لرأس المال في هذا الاقتصاد.

كما تلعب هذه الشركات الصغيرة والمنوسطة دوراً مهماً في تأمين عمال وموظفين مؤهلين لرفد مختلف الصناعات بما يلعب دوراً حيوياً في نمو فروع الصناعة المختلفة، والحدّ من البطالة.

وتلعب هذه الشركات أيضاً دوراً مهماً في تأمين توازن اقتصادي بين الريف والمدينة حيث أن أغلب هذه الشركات تعمل في الأرياف والضواحي بينما الشركات الكبيرة في المدن، وهذا ما كان قد أشار إليه السيد الرئيس بشار الأسد عند حديثه أمام مجلس الشعب الجديد بعد الانتخابات الأخيرة، ليؤكد على مدى أهمية هذه المشاريع وضرورة الاهتمام بها، باعتبارها تساهم في تأمين فرص عمل وزيادة قدرة الموظفين على المساهمة في المجتمع بشكل أكبر، وتنعش الأرياف، كما تتمتع بمرونة إدارية وقلة في البيروقراطية ولذلك نجدها تستجيب بشكل أفضل وأسرع مع قرارات الحكومة وسياساتها من الشركات الكبيرة.

كما أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعطي فرصاً آمنة لرجال الأعمال بأن يطوروا مواهبهم وقدراتهم الفردية، ما يؤدي لزيادة في المنافسة في السوق، وخلق بيئة صحية لفرص العمل، إضافة لتأمين منافذ إنتاجية آمنة لرجال الأعمال الشباب الأمر الذي يساهم في تطور الاقتصاد والثروة.

هذه الميزات وغيرها الكثير تضعنا أمام خيار وحيد هو إيقاد شعلة هذه المشاريع بلا تردد، والحكومة إن كانت لم تقل غير ذلك فهي ما تزال متباطئة كثيراً في هذا المجال، وتتعاطى مع الموضوع وكأننا للتوّ قد بدأنا به، وبالكاد خطر على البال، فما تزال تطلب الدراسات ووضع الاستراتيجيات، في حين اهترأت هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وهي تضع الدراسات تلو الدراسات والاستراتيجيات المتسلسلة التي لم تصادف إلى اليوم أي آذانٍ صاغية..!

فبعد أن أحال مجلس الوزراء منذ نحو شهرٍ – وربما أكثر – ملف المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى اللجنة الاقتصادية لدراسة أوضاعها وكيفية التعاطي معها، بدا الأمر محبطاً، وكأنه حالة من التسويف يعبر عن عدم الجدية بإطلاق هذه المشاريع التي ينتظر الإفراج عنها مئات آلاف الشباب المتعطش لفرصة إقامة مشروع حياته، وبرز وقتها سؤال عريض عن مبررات إقحام اللجنة الاقتصادية بهذا الأمر في حين أن هيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة كانت قد هيّأت الكثير من الدراسات والاستراتيجيات الكفيلة بانطلاق هذه المشاريع على قاعدة ثابتة، ولاسيما بعد إطلاق مؤسسة ضمان مخاطر القروض، حيث كان إطلاق مؤسسة الضمان هذه بلا جدوى إذ لم تنطلق حتى الآن إلا إلى فضاء رحبٍ من الفراغ الذي لا معنى له، لأن هذه المؤسسة هي مرتبطة أساساً وفقط بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة المجمدة أصلاً ..!

لا بأس .. أحيل الأمر إلى اللجنة الاقتصادية، ورحنا ننتظر .. وعدّاد الأيام لا يتوقف، ولكننا توقعنا أن نرى قريباً جداً وعلى جناح السرعة قراراً ببدء العمل وانطلاق هذه المشاريع، ولكننا أحبطنا يوم أمس بأن أتى مجلس الوزراء على ذكر هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة في إطار النقاش ( ولا أي قرار بشأنها ) واستمرار الأخذ والرد، وكانت المفاجأة بأن المجلس ناقش مذكرة وزارة الاقتصاد ( وليس اللجنة الاقتصادية ) حول واقع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوفير متطلبات تطويرها ومقترحات معالجة الصعوبات، كما وطلب موافاة وزارة الاقتصاد بالملاحظات للاستفادة منها في إقرار الخطة بصيغتها النهائية.

صحيح أن السيد وزير الاقتصاد هو رئيس اللجنة الاقتصادية، ولكن ماذا يعني ذلك ..؟! يعني هل يُكتفى بمذكرة وزارة الاقتصاد ..؟ أم أننا سنبقى بانتظار مذكرة تعدها اللجنة الاقتصادية أيضاً ..؟!!

نحن اليوم أمام مساحة واسعة من الوقت المهدور للمراوحة في المكان، لأن وزارة الاقتصاد – كما هو واضح – ستنتظر موافاتها بالملاحظات .. ومتى سيتفرّغ الملاحظون لوضع ملاحظاتهم، ثم متى ستصل هذه الملاحظات ..؟ ألله أعلم .. !

وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية صرّح في نهاية الاجتماع بأن مجلس الوزراء استعرض كيفية النهوض بهذا القطاع وضرورة إعداد استراتيجية وطنية فاعلة مرفقة ببرامج تنفيذية بغية حل جميع المشكلات التي تعوق تطور هذه المشاريع سواء من خلال التأهيل والتدريب لرواد الأعمال الراغبين في إقامة المشاريع الخاصة أو من خلال تقديم كل التسهيلات المرتبطة بإجراءات الحصول على التراخيص وكل ما يتعلق بالقدرة على النفاذ إلى التمويل وتسهيل هذه الإجراءات بالتعاون مع مؤسسة ضمان مخاطر القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة والوصول إلى التسويق المجدي بالنسبة لهذه المشروعات.

إذن نحن ( على الوعد يا كمون ) من الآن إلى حين إعداد استراتيجية وطنية فاعلة مرفقة ببرامج تنفيذية .. وكم سيحتاج هذا الإعداد للاستراتيجية وللبرامج إياها من الوقت المهدور القائم على المراوحة في المكان فيما يسرقنا الوقت الذي لن يجاملنا .. ولن ينتظر أحداً ..؟!!

سيريا ستيبس  /  السلطة الرابعة