جديد 4E

نحن مأزومون..إذاً نحن بخير.؟!

عبد الحليم سعود

 أصبح في حكم المؤكد ـ ودعكم من المبررات الجاهزة والمفصلة على الدوام ـ أن في بلادنا ثمة من يتقن فن اختراع الأزمات المعيشية وتوظيفها واستثمارها بشكل مدهش، إذ لا يكاد يمر شهر في السنة دون افتعال أزمة ترهق كاهل الناس وتجعلهم يندبون حظهم ويولولون بسبب تداعياتها الكارثية التي تنعكس مباشرة عليهم فتفقدهم صوابهم وتوازنهم لبعض الوقت، بالقياس إلى ضعف القدرة الشرائية للغالبية العظمى منهم وكثرة المتطلبات والاحتياجات الضرورية اليومية للعائلة السورية.

 ففي كل عام نحن موعودون بمسلسل مكسيكي طويل من الأزمات لا أحد غير الله يعرف متى ينتهي ـ لبعضها إنصافاً ما يبرره بسبب الحرب التي لم تنته وظروف الحصار الاقتصادي الأميركي الخانق ـ فلا نكاد نخرج من واحدة “مبتهجين فرحين” حتى نلج الأخرى ونحن “مستبشرين” بما سيأتي بعدها، وأحيانا تتحالف الأزمات بقوة فيما بينها لاختبار قدرتنا على الصبر والتحمل، ليفاجأ المتابعون لأحوالنا ـ بحول الله ـ بقدرتنا على صنع “الاعجاز” تلو الاعجاز – مكرها أخاك – والاستعداد لخوض المواجهة التالية ونحن أكثر قدرة على قهر المزيد منها، بحكم التمرس والمران والتجارب الغنية، وركزوا جيدا على كلمة “الغنية”..!!

 فبعد معاصرتنا لحرب العشر سنوات بكل ما فيها من مآسٍ وكوارث، وخروجنا منها “سالمين” ـ ركزوا جيدا على كلمة سالمين ـ لم نعد نفاجأ بشيء على الإطلاق، بل يرى البعض أن المفاجأة هي حين نكون بلا أزمة أو حين نتفاجأ بأزمة أصلاً، فالحياة أيها الأحبة لم تعد جميلة دون أفلام الأكشن المنتشرة على الكازيات والأفران ومؤسسات السورية للتجارة ومراكز توزيع الغاز وكوات تسديد الفواتير ووسائل النقل العامة والمدارس وصهاريج المياه التي تجوب الأحياء والقرى المعطشة.. إلخ، وإلا فإن من يجلسون تحت المكيفات في مكاتبهم الوثيرة وهم يخططون لمستقبلنا بكل “تفان وإخلاص” – لا وجود للفساد إطلاقا – سيصابون بالإحباط والملل وقد  يفكرون بالانتحار ـ لا قدر الله ـ أو الهجرة إلى خارج الوطن لأنهم عجزوا عن خلق أزمة، وهنا الكارثة لأن الذين اغتربوا بسبب الظروف الصعبة قد يفكرون بالعودة إلى حضن الوطن مجدداً، وحينها سنخسر وإياهم هؤلاء “العباقرة” الذين يفكرون عنا ويملؤون حياتنا ب”البهجة والفرح” ولا داع للتذكير بأن هذين المصطلحين هما بالأصل مصطلحان مدسوسان، أعاذنا الله وإياكم من “شرورهما”.

 غداً صباحاً ــ وربما هذا الصباح ـ كما الكثيرين من أبناء الوطن الاحبة سأنضم إلى طوابير “المبتهجين السعداء” على الكازيات ويحدوني الأمل بالحصول على جزء من مخصصاتي “المدعومة” من البنزين، وإذا كُتب لي “النجاح والتوفيق” والنجاة بجلدي فقد أتوجه إلى أحد مخابز العاصمة للحصول على مخصصات عائلتي “المدعومة” أيضا من الخبز، وآمل أن تكون صالحة للاستهلاك البشري ففي آخر مرة لم تكن مخصصاتي صالحة للاستخدام الحيواني،  لذا أتمنى عليكم أن تبادروا بالدعاء لي كي لا أحظى بحصتي من”الدعك” الذي ينتظرني هناك.

بالمناسبة يحتاج الموظف إلى يومين إجازة كل أسبوع للحصول على احتياجاته من البنزين المدعوم وعلى “علفه” المدعوم جدا من الخبز وقد لا يوفق الا بمعجزة ..!

هامش مخصص الى من يعنيهم الامر:

 بصرت ونجمت كثيرا لكني لم أعرف أبداً أسخف من تبريراتك…بصرت ونجمت كثيرا لكني لم أعرف أبدا أغبى من قراراتك…

 يقول ديكارت: أنا أفكر إذاً أنا موجود..! 

يقول مواطن سوري: أنا مأزوم إذا أنا موجود وبخير..!

إذاً كل أزمة وأنتم بخير…!!!