جديد 4E

لسنا متقاعدين

 

علي محمود جديد :

نعم .. على أقل من مهلنا .. ( وشو صاير ) علينا – نحن المتقاعدين – حتى نستعجل الحكومة باعتماد وإطلاق التأمين الصحي .. فنحن بخير بعد أن وفرت لنا الحكومة حياة معيشية رغيدة تُمكننا – بفضل الدخل المرتفع – من توفير أغذية مناسبة تحتوي على مختلف الفيتامينات والبروتينات والمعادن والدهون والكربوهيدرات.

وهذا هو السر الكامن وراء هذه البنية القوية لأجسامنا، فترى كل خلية فيها سواء من العظام وصولًا إلى الجلد والشعر تحتوي على كل ما تحتاجه من الأغذية، فنبقى بصحة وعافية نناطح الحيطان ولا نكترث، وهذا يترافق مع الجهود الحكومية العظيمة التي لا تتوقف عن تحريض هرمونات السعادة لدينا أكثر مما تحرضها الأغذية المتكاملة، وذلك عبر خدماتها عالية المستوى، والتي لا تضاهيها خدمات على الكرة الأرضية، ولعل أبرزها الخدمات الكهربائية الرائعة التي تنقلنا إلى حدائق غناء من ذكريات الزمن الجميل بالسهر على أضواء خافتة، وإقالة الإذاعات والمحطات الفضائية من حياتنا لنلتفت إلى بعضنا نتسامر ونتبادل الأحاديث الطيبة، ونستغني عن دفء السخانات الضارة لنلف أجسادنا بأغطية صوفية توفر لنا الحرارة المفيدة والمنعشة شتاءً، وعن برودة المراوح والمكيفات صيفاً التي ثبت بالدليل القاطع أنها تسبب الكثير من الأمراض لنستمتع أكثر بقيظ الحر الممتع الذي كدنا أن ننساه، والأهم من ذلك الاستغناء عن تناول الأغذية والطعوم المبردة وعن المثلجات التي لا يختلف اثنان بأنها تختزن أضراراً والعياذ بالله منها، فعدنا اليوم بفضل الخدمات الحكومية الكهربائية إلى تناول الطعام الطازج حصراً والخضار الغضة والفواكه الشهية وما كان غير ذلك فإلى المكبّات ولا داعي لمخاطر التخزين.

ومن العطاءات الحكومية الرافعة لنسبة هرمونات السعادة : السلاسة الضاربة الأطناب في خدمات النقل، والانتعاش الذي يبدعه الازدحام والانتظار المثير للتأمل، وأيضاً توفير الشبكات الهاتفية الأسطورية التي تسير عبرها خدمات الأنترنت كما تسير الجلطات التي تسرح وتمرح في عروق الدماء.

من هنا نفهم أهمية وحكمة التريث والاستمهال الذي تعتمده الحكومة في إطلاق التأمين الصحي للمتقاعدين ( الذي لا لزوم له ) وكنا نأمل أن تصل إلى قناعة أن لا داعي لمثل هذا التأمين أصلاً في ضوء تلك الرفاهية ومشاعر السعادة الفائضة التي نستمتع بها بفضلها وفضل إدارتها البارعة لقضايا البلاد ومصالح المواطنين، فكل شيء متوفر، ولكنها تحرجنا بتراكم حالات السخاء، فمنذ شباط قبلَ قبل الماضي ( أي شباط عام 2022 ) أحرجنا السيد وزير المالية على أثير المدينة FM عندما صرّح قائلاً بأنه : ” قريباً مليونا ليرة سورية الحد المالي لتغطية التأمين الصحي للمتقاعدين ” فرحنا نتململ ولم نعد قادرين على الاعتراض خجلاً، وكان بودنا لو أن الوزير قد استشارنا قبل ذلك ولم يستعجل بتصريحه لنبيّن له الأنعام الحكومية التي تطوقنا من كل جهة وجانب، ونقنعه بالأدلة أننا لا نحتاج إلى مثل هذا التأمين الصحي، ولا لزوم لمثل هذه البعزقة في الخدمات، لاسيما أننا من صلابة ما نحن عليه من التغذية والرفاهية وفيوضات السعادة نشعر بأننا لا نزال في ريعان شبابنا، ولا نتذكّر أصلاً أننا متقاعدون .. ولكن ماذا نفعل .. فقد فات الأوان ..؟!

صحيفة الثورة – على الملأ – 21 نيسان 2024م