جديد 4E

عشتار .. آلهة الحب والحرب .. ولأجلها كان للسوريين عشقٌ .. في ظلال الأقحوان

بين الدين والسياسة ترابط على مرّ العصور .. يموج بصراعٍ مفتوح تارة .. وكامن تارة أخرى

عشتار وتموز

رويدة عفوف

تقول الأسطورة.. تزوّجت الآلهة عشتار ( وهي آلهة الحبّ والحرب عند الآشوريين ) من الإله تمّوز وهو راعي الحبّ. وبعد الزّواج قُتل تمّوز. فحزنت عليه عشتار كثيرا حتّى بلغت حدّاً أبت تحت رزئه إلاّ النّزول إلى العالم السّفليّ، أي عالم الموتى لترى تمّوز هناك. فساءت الأحوال على الأرض وانقطع النّسل، فأرسلت السّماء أمراً إلى العالم السّفليّ بإخلاء سبيل عشتار، وعادت عشتار إلى الأرض وعاد معها زوجها تمّوز حيّاً. وكان ذلك في 11 نيسان، ومن بعدها أصبح هذا اليوم عيداً للحبّ في البلاد السّوريّة وبلاد الرّافدين. وكانت زهرة الأقحوان أو زهرة الرّبيع البيضاء التي يتوسطها الأصفر هي رمز الحبّ وليس الورد الأحمر.

عيد الحبّ الحقيقيّ عند السّوريّين هو 11 نيسان وليس 14 شباط وفيه كان يحتفل السّوريّون قديماً وفي بلاد الرّافدين كتعبيرٍ عن الحبّ والعشق المقدّس. وكان هذا قبل الفالنتين بمئات السّنين.

كل شعوب الشرق الذين سُلِبوا هويتهم الحقيقية، يحتفلون بالفالانتاين عيداً للحب…

ماذا عن عشتار؟؟؟؟

عشتار هي واحدة من الآلهة الكبرى في الشرق الأدنى القديم، حيث كانت تُدعى إنانا في العصر السومري. واعتمادًا على الأساطير السومرية، فإن عشتار كانت شقيقة الإله شمش “شمس”، وهي آلهة العدالة، وابنة الإله أنو المتربع على عرش الآلهة في المجمع الإلهي السومري في أوروك. أما عن شعارها، فقد كان نجمة الصباح، حيث كانت دائماً تعتلي الأسود، وتحمل جعبة وسلاحاً بيد وصولجان الملك بيدٍ أخرى، حين كانت تمشي بجانب الملك وتساعده في حروبه.

تتجسد عشتار بصورة امرأةٍ جميلة متحررة بامتياز، فهي طموحة، ونزقة، لا يؤتمن طرفها. وهي جزء من ثالوث، آلهة الكواكب، وهي إلهة النجم فينوس، إلهة الحب.

من خلال دراسة الباحثين  لوثائق ماري “تل الحريري” التي تعود إلى العصر البابلي القديم، عصر حمورابي، نجد أنها ذُكرت في ثمانين نصا، وهي الأكثر تكراراً بين جميع الآلهة في المجمع الإلهي لمملكة ماري، من بين هذه النصوص خمسون نصاً وثّقت أضاحيها، وثلاثة عشر نصاً كانت قد وصفت لنا شعائرها وطقوسها الدّينية، أما ما تبقى من نصوص فقد وصفت لنا عيدها السّنوي الذي كانت تحتفل به مملكة ماري. وقد أُرخت هذه النصوص في عهد المملكة الآشورية القديمة، وعهد الملك زمري ليم، لكن عشتار كانت أكثر توثيقاً في عهد الأخير.

عيد عشتار السنوي..

باحثون كُثر كانوا قد قدّموا بحوثا عن هذا العيد. وهذه دراسة مقتضبة عنه ، فيما ركّزت الكثير من الدراسات على لوحة التنصيب المكتشفة في القصر الملكي في ماري، وهي لوحةٌ تظهر لنا مراسم تنصيب الملك. وقد نَشر في هذا الصدد، على سبيل المثال، أندريه بارو، مقالًا عن رسومات قصر ماري عام 1937، ونشر جان كلود مارغرون عام 1992 مقالًا عن لوحة التنصيب بعنوان “لوحة التنصيب، الإيقاع والمقاييس والتكوين”.

وفي صالة العرش في قصر ماري، صاحب الجلالة يمثل أمام الإلهة عشتار، يدا الملك تلامسان فمه، والإلهة عشتار تعرض عليه الصولجان والخاتم، رمزي الملوكية. وبذلك يصبح ملك ماري تحت حمايتها. إن هذا التنصيب يعطينا لمحة عن العلاقة بين الملك والآلهة في ذلك العصر. اثنان من الآلهة يرفعان أيديهما لأداء الصلاة، في إطار مشهد التنصيب. على يمين عشتار، نرى إلها مجهول الهوية، ربما هو الإله دجن، إله وادي الفرات الأوسط، أو الإله أيتور مير، الإله الحامي للعائلة الملكية في مملكة ماري.

تعطينا وثائق ماري صورةً واضحةً عن عيد عشتار، حيث تصور لنا الأضاحي والطقوس والمهرجانات الدينية، والنفقات التي تتبع هذا العيد. وأغلب هذه الوثائق هي على صلة بالكاهن أصقدوم، وهذه الوثائق تعطينا اسم وتاريخ الكثير من المناسبات الدينية. أهم هذه الوثائق وثيقتان ،تم ترقيمهما بحسب ترتيب نشرهما. الوثيقة الأولى هي عبارة عن بروتوكول العيد الأعظم للإلهة عشتار، والوثيقة الثانية هي البروتوكول الملكي لعيد عشتار “إرّادن”.

تجدر الإشارة إلى أن هاتين الوثيقتين تعطيانا صورة عن مكانة عشتار الفعلية في المجمع الإلهي في مملكة ماري، حيث إنها في قمة الهرم الإلهي من حيث الأهمية.

هناك الكثير من الآلهة الأنثوية في العصر البابلي القديم. ووفقًا لوثائق ماري، فإن معظم هذه الآلهة كانت صورًا لعشتار، كعشتار ماري، وعشتار القصر، وعشتار البشري، وعشتار إرّادن، وعشتار نينوى، والإلهة أنونيتوم، والإلهة ديريتم، وسيدة القصر “بيليت إكاليم”.

الفضاء الرئيس للإلهة عشتار هو إقليم ماري، على الفرات الأوسط حيث تقع مدينة ماري، يوجد معبد عشتار، وهو مكان الاحتفال بعيدها السنوي. وفي مدينة صوبروم كانت عشتار البشري، نسبة لجبل البشري في الجزيرة السورية، من أهم الآلهة هناك، حيث كان يقدم لها الأضاحي والهدايا. في شمال العراق، في مدينة نينوى ومنطقة إيكالاتوم، بالقرب من آشور.

وفي مملكة طوبا وهي مملكة كانت تقع بين حلب وماري، كانت عشتار هي الإلهة الحامية لهذه المملكة، ذكرت كعشتار طوبا. أما عن النشاطات الدينية لعشتار فكانت تقام في قصر الملك أو في حديقة القصر، وأحيانًا في معبدها.

أخيرا، لماذا كان الملك يحتفل بالأعياد الدينية وبالأخص عيد عشتار، ويؤمن لها كل الدعم؟ ما هو الدافع السياسي لذلك؟

بوابة عشتار .. وهي منقولة من بابل إلى ألمانيا .. !

 في الواقع الشعائر والطقوس الدينية الملكية تفسر لنا الترابط بين السياسة والدين منذ أقدم العصور. الهدف الرئيس من إقامة الأعياد الدينية، كان خلق الشرعية، فكهنة عشتار بشكل خاص وكهنة الآلهة بشكل عام كانوا تحت حماية الملوك المتعاقبين. ولنا في وثائق ماري الكثير من الأمثلة، كالكاهن أصقدوم والإيبال بيل وإشخي أدو وغيرهم. الأهم من وجهة نظري، أن هناك صراعا مفتوحا أو كامنا بين القوى السياسية والقوى الدينية، هذه القوى الدينية كانت ذات تأثير قوي على الحياة الاجتماعية في كل مناحيها.