مطالعة مهمة للمبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسون في مجلس الأمن يوصف فيها الحالة السورية بدقة .. ويضع الحلول
السلطة الرابعة – متابعات :
قال السيد غير بيدرسون في مطالعته اليوم أمام مجلس الأمن الدولي:
شكراً السيد الرئيس (جمهورية كوريا – القائم بالأعمال السفير سانجين كين)
1- وأرحب بكم، سعادة السفير إبراهيم العلبي، في منصبكم الجديد كممثل دائم لسوريا لدى مقر الأمم المتحدة في نيويورك. أتمنى لكم التوفيق في هذه المرحلة التاريخية.
2- دعونا نبدأ بنقطة مهمة تستحق التكرار، لأنها قد يتم إغفالها بسهولة: السلطات الانتقالية في دمشق تواجه تحدياتٍ هائلة ناجمة عن آثار الحرب والنظام الاستبدادي. فقد ورثت هذه السلطات ليس فقط دماراً في المباني، بل أيضاً تدهوراً في البنية الاجتماعية، وضعفاً في المؤسسات، واقتصاداً متعثراً. ولذا يحتاج الشعب السوري بشدة إلى دعمٍ مالي دولي يتناسب مع احتياجاته وطموحاته. كما نحتاج إلى إعادة تفعيل دور القطاع الخاص في سوريا، بما في ذلك دعم القطاع الخاص المحلي، لضمان استمراره وتطوره. يتطلب تحقيق ذلك مزيداً من الدعم من المنطقة والمجتمع الدولي، وإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا، وإزالة القيود المفروضة على التصدير، وتوفير ضمانات للشركات والمصارف، وتسريع وتيرة الإصلاحات الداخلية. ويتطلب الأمر أيضاً، بالطبع، تحقيق الاستقرار السياسي.
3- لقد أكد لي وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني، خلال لقائي به مؤخراً في دمشق، على أهمية الدعم الدولي لسوريا، كما طالب بشدة بوقف التدخلات الخارجية. وأنا بدوري أؤيد هذا النداء بشدة.
السيد الرئيس،
4- للأسف، لا يزال خطر التدخل الخارجي يلوح في الأفق. فقد شهد هذا الشهر مزيداً من التدخل الإسرائيلي، حيث أفادت وسائل الإعلام السورية الرسمية بقيام إسرائيل بقتل عدد من الجنود السوريين، بالإضافة إلى عملية إنزال قوات كوماندوز إسرائيلية جنوب دمشق، فضلاً عن ضربات جوية إسرائيلية أخرى في بداية شهر سبتمبر/أيلول. السيد الرئيس، هذا النمط من التدخل الخارجي مرفوض تماماً ويجب إيقافه. ويجب أن نؤكد على ضرورة الاحترام الكامل لسيادة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها، وأن يتم معالجة أية مخاوف أمنية وفقاً للقانون الدولي، والاتفاقية الموقعة عام 1974، والحوار الدبلوماسي. وآمل أن تسفر الاجتماعات بين سوريا وإسرائيل عن نتائج ملموسة، بما يُسهم في تخفيف حدة التوتر وتحقيق الاستقرار.
السيد الرئيس،
5- في محافظة السويداء، استمر الهدوء بشكلٍ عام منذ إعلان السلطات السورية عن وقف إطلاق النار في 18 يوليو/تموز. وأواصل الترحيب بالجهود المشتركة التي تبذُلها الولايات المتحدة والأردن مع سوريا لمعالجة الأزمة، والتي تجسدت مؤخراً في البيان المشترك الشامل الصادر في 16 سبتمبر/أيلول، والذي يتضمن خارطة طريق تشمل عناصر مهمة وإيجابية، منها المساءلة، وإيصال المساعدات الإنسانية وفتح الطرق التجارية، وإعادة إحياء الخدمات، وإعادة الإعمار، وإطلاق سراح المعتقلين، والإجراءات الأمنية، وإعادة الإدماج، والمصالحة. وعلى الرغم من ذلك، فقد أصدرت لجنة في السويداء، مقرّبة من الشيخ حكمت الهجري، بياناً أعلنت فيه عن رفضها للبيان المشترك، ودعت إلى حق تقرير المصير عبر “الحكم الذاتي أو الانفصال”. السيد الرئيس، من الضروري إيجاد حلول تحافظ على سيادة سوريا ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها، وتُعالج مخاوف المجتمع الدرزي المشروعة والمفهومة بشأن أمنه، واحترام حقوق الإنسان، ومستقبله السياسي في سوريا، مع التأكيد على أن الدولة تعمل كحامية وليست كتهديد. في ضوء غياب الثقة والانقسام، يتطلب الوضع اعتماد إجراءات لبناء الثقة، واستمرار الحوار، والدعم الدبلوماسي. وقد أوضحنا استعدادنا للمساهمة في هذا الشأن.
6- وأودّ أن أشير إلى أن البيان الصادر في 16 سبتمبر/أيلول تضمن دعوة من الحكومة السورية للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة للتحقيق في أحداث شهر يوليو/تموز. وهي دعوة قيّمة لتعزيز التعاون القائم والمثمر بين الحكومة السورية والأمم المتحدة في هذا الشأن.
السيد الرئيس،
7- أكرر دعوتي لنشر نتائج اللجنة الوطنية للتحقيق في أحداث الساحل في شهر مارس/أذار، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمتابعة هذه النتائج. ففيما يتعلق بالأحداث في الساحل وفي السويداء، يحتاج الشعب السوري أن يرى اقراراً رسمياً بهذه الانتهاكات، ومعالجتها وفقاً للمعايير الدولية والإعلان الدستوري، وذلك لكي يطمئن جميع المواطنين في سوريا على عدم تكرر هذه الانتهاكات وعدم إفلات أي من مرتكبيها من العقاب.
8- ومن ضمن الأمثلة على حساسية القضايا المتعلقة بالعدالة الأحداث الأخيرة في السومرية، وهي منطقة ذات أغلبية علوية في دمشق، سكنها تاريخياً عائلات وأقارب لأفراد سابقين في الجيش. ففي أغسطس/آب، أفادت التقارير بأن جماعة مسلحة تابعة لقوات الأمن التابعة للسلطات المؤقتة نفذت سلسلة من مداهمات المنازل هناك، في سياق أوامر إخلاء مزعومة، مع ورود تقارير عن أعمال عنف ونهب. وأرحب في هذا السياق بخفض التوتر في هذه المنطقة بعد تدخل السلطات المؤقتة نفسها. لكن اشدد، السيد الرئيس، وهذا الأمر مهم، على أنه يجب معالجة القضايا المعقدة المتعلقة بالسكن والأراضي والملكية والعدالة الانتقالية بعناية، مع إعطاء الأولوية لحماية المدنيين على أساس سيادة القانون وبما يتماشى مع المعايير الدولية.
9- لقد عززت زيارتي الأخيرة إلى دمشق اقتناعي بشكلٍ أكبر بأهمية مسار العدالة الانتقالية في إنجاح عملية الانتقال السياسي. ونؤكد مجدداً على استعداد الأمم المتحدة لدعم اللجان الوطنية السورية المعنية بالعدالة الانتقالية والمفقودين، وتنسيق المساعدات الدولية المقدمة إليهما.
السيد الرئيس،
10- في شمال شرق سوريا، لا تزال الجهود مستمرة لتنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار. ونُرحب بالاتصالات الأخيرة بين السلطات الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية، وتبادل الآراء حول القضايا الرئيسية، بما في ذلك مسألة الاندماج العسكري والأمني، بالإضافة إلى الحوار حول الجوانب السياسية وسبل بناء الثقة. فاستمرار التواصل بين الطرفين أمر إيجابي، على الرغم من وجود تحدياتٍ كبيرة، وقد أجرينا حوارات مفصلة مع الطرفين لمساعدتهما في إيجاد الحلول المناسبة. رسالتنا إلى الطرفين واضحة: يتطلب الأمر خطواتٍ جريئة وتوافقاً حقيقياً.
11- لا تزال التحديات الأمنية قائمة في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطات الانتقالية، ويواجه القائمون على إدارة هذه المناطق تحدياتٍ كبيرة في مجالات إصلاح القطاع الأمني، والتسريح التدريجي للقوات، وإعادة دمجها، بالإضافة إلى قضية المقاتلين الأجانب. كما لم يتلاشَ خطر الإرهاب بشكلٍ كامل، إذ ما زالت خلايا تنظيم داعش والتطرف العنيف تُشكل تهديداً خطيراً لجهود التعافي.
12- لكن أسمحوا لي أيضاً أن أدعو الدول الأعضاء إلى تكثيف جهودها في مجال إعادة رعاياها من مخيم الهول، وأؤكد أن الأمم المتحدة مستعدة لتقديم التوجيه والدعم وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية الأخرى ذات الصلة.
السيد الرئيس،
13- لا يوجد في سوريا هيئة تشريعية، وعلى الرغم من إمكانية إصدار القرارات التنظيمية من خلال مرسوم رئاسي، إلا أن إنشاء هيئة تشريعية مؤقتة ذات مصداقية يعد خطوة مهمة لمعالجة القضايا الإصلاحية الملحة خلال المرحلة الانتقالية. وفي هذا الصدد، تجري حالياً الاستعدادات لاختيار ثلثي أعضاء مجلس الشعب المؤقت من خلال انتخابات غير مباشرة، إلا أنه لم يتم الإعلان رسمياً عن موعد إجراء هذه الانتخابات. ومن المهم أن تتم هذه العملية وفق جدول زمني واقعي دون استعجال.
14- هذه الانتخابات التي تُجرى من خلال الانتخاب غير المباشر، وكذلك من خلال تعيين الرئيس للثلث المتبقي من أعضاء مجلس الشعب، تمثل نظاماً فريداً يعكس الظروف الاستثنائية للمرحلة الانتقالية، إلا أن الشفافية والشمولية الواسعة، بما في ذلك المشاركة الفعالة للنساء وتمثيل جميع فئات المجتمع، ستكون ضرورية لإضفاء الشرعية على العملية. ولا ينبغي أن يكون الهدف من ذلك مكافأة الموالين، بل ضمان تمثيل حقيقي لجميع مكونات المجتمع واحترام التنوع.
15- أدرك التحديات الكبيرة في المناطق التي لا تزال الخلافات قائمة فيها بين السلطة المركزية والمناطق الخارجة عن سيطرتها، ولذلك حذرنا من اتخاذ خطوات لا يمكن التراجع عنها، ودعونا إلى توخي الحذر وإتاحة مزيد من الوقت والفرصة لحل هذه الخلافات. كما أنه من الضروري أن تُشارك جميع أطياف المجتمع السوري في العملية الانتخابية، فهذا أمر لا غنى عنه.
16- لقد أخبرتني السلطات الانتقالية أنها تنظر إلى مجلس الشعب باعتباره فرصة لتعزيز دور المؤسسات الرقابية على عملية الانتقال السياسي، وجعلها أكثر شمولية من ذي قبل. ومن الضروري أن يتحقق هذا الأمر على أرض الواقع. فبدون اتفاقات حقيقية مع جميع الأطراف المعنية، قد يبدأ المجلس الجديد عمله، وقد تستمر عملية الانتقال، لكن الأصوات المعارضة قد لا تجد لها مكاناً فيها. وهذا قد ينعكس سلباً على المراحل اللاحقة من عملية الانتقال السياسي، بما في ذلك صياغة الدستور الجديد.
السيد الرئيس،
17- أودّ أن أوضح أيضاً أنه بالإضافة إلى انخراطنا المكثف مع السلطات الانتقالية والجهات الأخرى، فإنني ومكتبّي مستمرّان في عقد اجتماعات مع ممثلي المجتمع المدني وكافة فئات المجتمع السوري من جميع أنحاء سوريا، داخل البلاد وخارجها. ويشاركنا الكثيرون إحساسهم بالحيوية والفرص المتاحة في هذه المرحلة، بينما يُعرب آخرون عن مخاوفهم من تقليص مساحة الحريات المدنية، وضعف الجهود المبذولة نحو الشمولية الحقيقية، وارتفاع مستوى خطاب الكراهية والتوترات المجتمعية.
18- وتواصل النساء السوريات جهودهن لتوثيق الانتهاكات ضد نساء سوريات أخريات من جميع أنحاء سوريا. ولا يزال العنف ضد المرأة يشكل عائقاً كبيراً أمام مشاركتهن في الحياة العامة، مما يحدّ من قدرتهن على أداء أدوار فاعلة ومتساوية، ويسلط الضوء على القضايا المتعلقة بالسياسات العامة التي ينبغي أن تأخذها المرحلة الانتقالية في الاعتبار من منظور النساء.
السيد الرئيس،
19- في الختام، يُمكن القول إن السلطات الانتقالية في سوريا والشعب السوري يبذلان جهوداً كبيرة لتحقيق عملية انتقال سياسي ناجحة، وذلك في مواجهة تحديات وصعوبات لا تقل تعقيداً عن تلك التي واجهها أي شعب آخر في العالم. وبناءً على هذا المعيار، يمكننا الإشارة إلى تغييرات ملفتة حدثت في فترة زمنية قصيرة.
20- ولكن التجارب السابقة تُظهر لنا أن العديد من عمليات الانتقال السياسي في التاريخ الحديث لم تنجح، وللأسف، كان العامل الرئيسي في فشلها هو غياب الشمولية الحقيقية. أود أن أذكركم جميعاً: إننا نتحدث عن عملية انتقال سياسي تمتد على مدى خمس سنوات. وأن نجاح الخطوات الرئيسية القادمة، لا سيما صياغة الدستور الجديد والعملية التي تقود إلى صياغته، والانتخابات الحرة والنزيهة، وكذلك جميع الخطوات الأخرى، سيكون مضموناً فقط إذا شاركت جميع فئات المجتمع والجهات الفاعلة الرئيسية في هذه العملية، باعتبارهم سوريين.
21- على المجتمع الدولي دعم سوريا والوقوف بحزم ضد التدخل الأجنبي. ولكن في الوقت نفسه، يعتمد نجاح العملية الانتقالية في المقام الأول على تصرف الدولة كدولة للجميع، ليس بالأقوال فحسب، بل بالأفعال أيضاً، وعلى بناء إجماع سوري حقيقي، وتمكين جميع السوريين من التعبير عن آرائهم، بما في ذلك مخاوفهم ومعارضتهم السياسية، وإيجاد تمثيل حقيقي لهم في عملية الانتقال السياسي.
22- وما لم يتم التعامل مع هذا التحدي الرئيسي بحكمة، فإن العواقب ستكون وخيمة. فسوريا قد تجد نفسها في حالة جمود سياسي مستمر، عاجزة عن التعافي وإعادة الإعمار، وفي أسوأ الأحوال، قد تنزلق البلاد إلى دوامة جديدة من الصراع والتدخل الخارجي. وبالتأكيد فإن هذا السيناريو لا يصب في مصلحة أحد، ولذلك لا يُمكن أن تفشل العملية الانتقالية.
23- لكنني ما زلت مقتنعاً بأنه إذا تم التعامل مع التحديات بحكمة، وإذا تم تبني نهج التفاوض الجاد والوصول إلى تسوياتٍ جريئة، فمن الممكن تحقيق الوحدة الوطنية، وتحقيق النجاح رغم كل الصعوبات. وفي هذا السياق، كان إيجابياً تأكيد الرئيس الشرع على أن الحوار وحده، وليس القوة، هو السبيل الوحيد لتوحيد سوريا. كما تعلمون سيزور الرئيس الشرع نيويورك الأسبوع المقبل لحضور فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليصبح بذلك أول رئيس سوري يحضرها منذ عام 1967.
24- السيد الرئيس، نتطلع إلى مواصلة العمل مع السلطات السورية والشركاء السوريين لتحقيق الالتزامات التي قطعتها السلطات على نفسها، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254. والأمم المتحدة على استعدادٍ دائم لدعم كافة الجهود المبذولة. ويجب أن تكون هذه العملية بقيادة وملكية سورية، وأن تكون جامعة وشجاعة – وقبل كل شيء – شمولية.
شكراً لكم، السيد الرئيس.
وكالات