السلطة الرابعة – 4e :
أكد رئيس الجمهورية العربية السورية، أحمد الشرع، أن سوريا لا تقبل القسمة ولن تتنازل عن ذرة تراب واحدة من أرضها، وشدّد على أنها لا تريد أن تكون بحالة من القلق والتوتر مع أي دولة في العالم، وتسعى إلى بناء علاقاتها الخارجية على أساس سيادتها واستقلال قرارها ومصلحتها أولاً.
وقال الرئيس الشرع، في لقاء مع قناة الإخبارية السورية: “إن أي سلطة لديها مهمتان أساسيتان، حماية الناس والسعي في أرزاقهم، وتحت هذا المبدأ سارت السياسة السورية منذ اللحظات الأولى”، مبيناً أن الاقتصاد ليس فقط حالة تجارية واستثمارية، بل هناك الكثير من الأمور التي يجب أن تُنظَّم وتُرتَّب بشكل متزن حتى الوصول إلى بيئة اقتصادية مناسبة وزيادة معدلات الإنتاج في الزراعة والصناعة.
تطوير الموارد البشرية أكبر رأس مال للاقتصاد
وأوضح الرئيس الشرع أن إصلاح المنظومتين القضائية والتعليمية، وتنمية وتطوير الموارد البشرية، هو أكبر رأس مال للاقتصاد، إضافة إلى الطاقة والخدمات والطرق والإنترنت والاتصالات والعلاقات السياسية المنفتحة مع الدول المجاورة.
وأضاف الرئيس الشرع: “هناك قطاعات ومشاريع كثيرة يجري العمل عليها في آنٍ واحد حالياً لنهوض الاقتصاد، وخاصة التنمية الزراعية ومشاريع الري، فعلى سبيل المثال، هناك تراجع كبير في الزراعة خلال السنوات الماضية، حيث كانت سوريا تنتج ما يقارب 4 ملايين طن من القمح، والآن تنتج 700 ألف طن، وخلال الأشهر التسعة الماضية استقبلت 1150 خط إنتاج جديد، غير المعامل التي أُعيد تشغيلها”.
وأشار الرئيس الشرع إلى أن صندوق التنمية السوري يستهدف حل موضوع المخيمات والنازحين بالدرجة الأولى، ثم المساهمة في فتح الطرقات، وإزالة الردم، وإنشاء البنية التحتية والخدمات للقرى والبلدات المهدمة غير القابلة للسكن، ومنح القروض للمزارعين لإعانتهم على زيادة الإنتاج.
لا نريد أن تعيش سوريا على المساعدات والقروض المسيسة
وشدّد رئيس الجمهورية على أن مشروع إعادة الإعمار كلمة صغيرة، ولكن فيها تفاصيل كثيرة وتستغرق وقتاً طويلاً، وهو منهج عمل بحيث يتم البدء بالمتاح وحسب الأولويات، مبيناً أنه تم خلال الفترة الماضية فتح باب الاستثمارات الأجنبية بعد تعديل القوانين.
وقال الرئيس الشرع: “لا نريد لسوريا أن تعيش على المساعدات أو على القروض المسيسة، وبالتالي يجب أن يكون هناك بديل، وهو فتح البلاد للاستثمار، وعقلية جديدة لبناء الاقتصاد السوري تتناسب مع محيط سوريا وحالة العالمية الحداثية الجديدة في التنمية الاقتصادية”.
وأضاف الرئيس الشرع: “هناك تجارب كثيرة، وأنا لست مع استنساخها، ولكن يجب الاستفادة منها ودمجها مع المعطيات الموجودة داخل سوريا، ثم البناء عليها بمشاريع اقتصادية، فالاستثمارات الخارجية توفر فرص عمل كثيرة وتوفر القطع الأجنبي، وفي الوقت نفسه هناك استثمارات تعمل أيضاً على إصلاح البنية التحتية كالطرق والمطارات والطاقة والمياه”.
سوريا أعادت بناء علاقاتها الدولية والإقليمية بسرعة كبيرة
وبيّن الرئيس الشرع أن حركة الاستثمار وحركة المال داخل سوريا تنعكس على كل القطاعات، كما أن انفتاح سوريا على الاستثمارات الخارجية يوفر لها أيضاً أسواقاً خارجية، ويتبع ذلك عنوان آخر هو التبادل التجاري وتوفير الأسواق للمنتجات السورية عندما نضع الخطط لزيادة الإنتاج في سوريا.
وأكد رئيس الجمهورية أن سوريا أعادت بناء علاقاتها الدولية والإقليمية بسرعة كبيرة، ورأينا محبة كبيرة من معظم دول العالم، وخاصة من دول الإقليم، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها رغبة كبيرة في الاستثمار بالداخل السوري.
وقال الرئيس الشرع: “إن سوريا بلد يمتاز بموقع استراتيجي هام جداً، فعلى سبيل المثال، فإن مرور خطوط الإنترنت من سوريا للربط بين الشرق والغرب يوفر بنية تحتية تصل إلى 6 آلاف كم من إمداد الكبل الضوئي، وهو أكثر أماناً، كما أنه استثمار بسيط لا يحتاج أموالاً طائلة”.
طرق التجارة بين الشرق والغرب تمر من سوريا
وأضاف الرئيس الشرع: “إن طرق التجارة البرية بين الشرق والغرب تمر بالضرورة من سوريا، واليوم العالم كله يشكو من مسألتين أساسيتين، هما أمان سلاسل التوريد وإمدادات الطاقة، وكلا الأمرين متوفر في سوريا”.
ولفت الرئيس الشرع إلى أن النظام السابق كان يخشى الاستثمارات الخارجية والداخلية، في حين أن الاستثمار لا يُخيف، بل على العكس، يدفع إلى الاستقرار في البلد، وينعكس ذلك على سياستها وعلاقاتها الدولية.
وأكد الرئيس الشرع أن سوريا بلد مهم جداً، والعالم كله يرغب في الاستثمار فيها، بعد أن خسرها خلال الـ 45 سنة الماضية بانعزالها وكثرة الاضطرابات الحاصلة فيها، ولكن التحرير الذي حصل في 8 ديسمبر أعطى فرصة تاريخية جديدة للمنطقة، ولا يوجد أحد يرغب أن تعود سوريا إلى ما كانت عليه في السابق.
بعض سياسات إسرائيل تثبت حزنها على سقوط النظام السابق
وشدّد الرئيس الشرع على أن بعض سياسات إسرائيل تدل على أنها حزنت على سقوط النظام السابق، فهي تريد من سوريا أن تكون ساحة صراع وتصفية حسابات مع دولة إقليمية، كما أن إسقاط النظام بهذه السرعة أفقد بعض الدول التي لا تريد الخير لسوريا كثيراً من الاستراتيجيات التي كانت موضوعة.
وأوضح الرئيس الشرع أن إسرائيل كان لديها مخطط تقسيم لسوريا، ولكنها تفاجأت بإسقاط النظام، كما أنها اعتادت أن تعالج مشاكلها الاستخباراتية وفشلها الأمني في بعض الأحيان بأن تستخدم عضلاتها، وهذه ليست سياسة صحية، لأن المبالغة في المخاوف تؤدي إلى الحرب.
وقال الرئيس الشرع: “نحن الآن في طور نقاش مع إسرائيل، التي اعتبرت أن سقوط النظام هو خروج لسوريا من اتفاق عام 1974، رغم أن سوريا أبدت من أول لحظة التزامها به، وراسلت الأمم المتحدة، وطلبت من قوات الأندوف أن تعود إلى ما كانت عليه”.
وأضاف: “يجري وضع النقاط على الحروف، ويجري تفاوض على اتفاق أمني حتى تعود إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل 8 ديسمبر، أي إلى اتفاق 1974 أو شيء يشبهه، وهذا التفاوض لم ينتهِ بعد”.
سوريا لا تريد أن تكون بحالة توتر مع أي دولة في العالم
وأكد رئيس الجمهورية أن سوريا تبحث عن الهدوء التام في العلاقات مع كل دول العالم والمنطقة، وهذه سياسة واضحة منذ اللحظات الأولى، ولا تريد أن تكون بحالة من القلق والتوتر مع أي دولة في العالم، ولذلك فالكرة في ملعب الدول التي تريد إثارة الفتن والقلاقل في سوريا.
وأوضح الرئيس الشرع أن روسيا دولة مهمة في العالم، وتعد ثاني أقوى دولة تقريباً، وهي عضو في مجلس الأمن، وهناك روابط وثيقة مع سوريا وُلدت منذ الاستقلال عام 1946، وإذا أردنا أن نحول بعض المسارات في بنية الدولة السورية، فيجب أن يكون ذلك ضمن استراتيجية هادفة، ومصلحة سوريا أن يكون لديها علاقات هادئة مع روسيا.
ولفت الرئيس الشرع إلى أن هناك ارتباطات متوارثة تلقائياً بين سوريا وروسيا في مجالات وقطاعات عدة، ينبغي الحفاظ عليها وإدارتها بطريقة هادئة ورزينة، وقال: “إذا بقينا ننظر إلى الماضي، فلا نستطيع أن نتقدم إلى الأمام، وينبغي أن نتجاوز عقبات الماضي ونتعامل بديناميكية واسعة، والمهم أن تُبنى العلاقات على أساس السيادة السورية واستقلال قرارها، وعلى أساس أن تكون المصلحة السورية أولاً”.
وكشف الشرع أنه عندما وصل إلى حماة في معركة التحرير جرت مفاوضات مع روسيا، وعند وصولنا إلى حمص ابتعد الروس في هذا الوقت عن المعركة وانسحبوا تماماً من المشهد العسكري ضمن اتفاق جرى بيننا وبينهم.
وأفاد أن الروس أعطوا التزامات معينة لسوريا الحالية ونحن أعطينا التزامات ونحن وفينا بها وهم وفوا بها حتى اللحظة.
سوريا استطاعت أن تبني علاقة جيدة مع الولايات المتحدة والغرب
وأكد رئيس الجمهورية أن سوريا استطاعت أن تبني علاقة جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وأن تحافظ على علاقة هادئة مع روسيا، وأن تجمع علاقات إقليمية جيدة مع تركيا، والسعودية، والإمارات، وقطر، والأردن، ولبنان، والعراق، مع تحسن في العلاقات مع مصر أيضاً، وأضاف: “أما بالنسبة لإيران، فالجرح كان أعمق بعض الشيء، ونحن لا نقول سيكون هناك قطيعة دائمة بيننا وبين الإيرانيين”.
وأوضح الرئيس الشرع أن سوريا استطاعت أن تجمع ما بين المتناقضات الحالية العالمية، بسبب قوة الحدث الذي حصل، ومحبة الناس لسوريا، ومصالح العالم المرتبطة بسوريا في نفس الوقت، واستطاعت من خلال الدبلوماسية القوية التي عملت عليها خلال الأشهر التسعة الماضية أن تحقق نسيجاً من هذه العلاقات.
سوريا اليوم في مرحلة مؤقتة وانتقالية
وبيّن رئيس الجمهورية أن سوريا، في مرحلة ما بعد التحرير، دخلت عدة مراحل، كان أولها ملء الفراغ الرئاسي، ثم الذهاب إلى مؤتمر وطني جامع لكل أطياف الشعب السوري، ثم تشكيل حكومة، ثم انتخابات برلمانية، وهذا لا يكفي، فهناك الكثير من الخطوات التي تحتاج إلى مراحل متعددة.
وقال الرئيس الشرع: “يجب أن نراعي أننا في مرحلة مؤقتة وانتقالية، فالثورات عندما تنجح، تنتقل من نظام إلى نظام، وتأخذ وقتاً، وسيأتي بعد الانتخابات صياغة للدستور، وسيكون هناك فيه الكثير من التفاصيل، لكن السياسة التي اتخذناها أن نعمل في كل الجوانب بوقت واحد”.
وأوضح الرئيس الشرع أن مجلس الشعب القادم صيغ بطريقة مقبولة كمرحلة انتقالية، وليس كحالة دائمة، وتم الذهاب إلى المجالس الانتخابية لتمثيل المحافظات فيه.
مجتمع السويداء جزء أساسي من المجتمع السوري ومكون أصيل
وأشار الرئيس الشرع إلى أن خلافاً جرى في السويداء بين البدو والطائفة الدرزية وتطوّر، وحصلت أخطاء من جميع الأطراف، من الطائفة الدرزية، والبدو، وحتى من الدولة نفسها، والواجب كان أولاً أن يُوقف سيل الدماء، ثم تم تشكيل لجان لتقصي الحقائق، ويجب محاسبة كل من أساء وأخطأ.
ولفت الرئيس الشرع إلى أن بعض الأطراف حاولت أن تستغل المشهد، سواء في داخل السويداء أو من داخل إسرائيل، لتمرير بعض المشاريع، وأعتقد أن سوريا لا تقبل القسمة، ويتعذر عليها القسمة، مبيناً أن التقسيم يورث العدوى، وعلى سبيل المثال، إذا أراد شمال شرق سوريا أن يذهب إلى نوع من التقسيم، فإن العراق وتركيا ستتأذيان بشكل كبير، وسيكون هناك تداعيات على مناطق عدة في العالم.
وأكد رئيس الجمهورية أن ما حصل في السويداء جرح يحتاج وقتاً ليلتئم، فمجتمع السويداء جزء أساسي من المجتمع السوري، وهو مكون أصيل فيه، وقال: “أول لقاء مجتمعي لي كان مع أهل السويداء في دمشق بعد وصولنا إليها، ورأيت منهم المحبة والالتزام بالوطن، وكنت داعماً لأبناء السويداء منذ خمس سنوات قبل التحرير، وتابعت وضعهم بشكل كبير وأنا في إدلب”.
وقال الرئيس الشرع: “في شمال شرق سوريا، هناك من يتصدر موضوع اللامركزية أو التقسيم، وهم تنظيم قسد، وتلك المنطقة يمثل المكون العربي فيها أكثر من 70%، وقسد لا تمثل كل المكون الكردي حتى نقول إن هذا صوت المنطقة هناك، والمكون الكردي متناثر في منطقة واسعة”، مشدداً على أن مصلحة السويداء ومصلحة شمال شرق سوريا مع دمشق، وهذه فرصة لسوريا للملمة جراحها والانطلاق في حُلّة جديدة، أما التفكير بغير ذلك، فهو يضر بأصحاب هذه الأفكار أنفسهم.
وتابع الرئيس الشرع: “كل ما يسهل عملية ألا تحصل معركة أو حرب لعلاج هذه المشكلة، أنا فعلته. وافقنا على دمج قوات قسد في الجيش العربي السوري، واتفقنا على بعض الخصوصيات للمناطق الكردية، وهناك بعض المناصب ممكن أن تُعطى لبعض الشخصيات، وفي الوقت ذاته كان هناك عتب على الدولة: لماذا لم تحل الموضوع بشكل سريع وآني؟”.
وأردف الرئيس الشرع: “في نهاية المطاف، فإن سوريا لن تتنازل عن ذرة تراب واحدة، وهذا قسم أقسمناه أمام الناس، بأن نحمي كل التراب السوري، وأن تتوحد سوريا، وهناك إجراءات كثيرة حتى نصل إلى ذلك”.
سقف الحرية واسع في سوريا
وأوضح رئيس الجمهورية أن العالم تجاوز اليوم أي فكرة لحصار الإعلام في بوتقة صغيرة، وخاصة مع وسائل التواصل الاجتماعي، مبيناً أن العهد بين الحكومة وأي جهة أخرى، كالإعلام أو أي مؤسسة، هو القانون؛ فهو الذي ينبغي أن يحمي حق السلطة، ويحمي حق الشعب، ويحمي حق المؤسسة الإعلامية نفسها.
وشدّد الرئيس الشرع على أن سقف الحرية واسع في سوريا، فالحالة الصحية والسليمة أن يكون هناك أصوات ناقدة، ولكن ينبغي أن تكون هناك ضوابط واضحة، وأن تكون قليلة وليست واسعة، وعلى القانون أن يراقب هذه الضوابط.
وقال الرئيس الشرع: “أقرأ من ينتقدني، والمهم أن يكون النقد صحيحاً ومنبهاً، حتى لو كان جارحاً، ينبغي أن يكون صحيحاً. وبعض الأحيان، النقد يدل أن الجمهور لا يفهم سياسات الدولة، فتحتاج الدولة لتوضيح هذه السياسات”.
سيكون هناك تعددية سياسية في سوريا بنهاية المطاف
وأضاف الرئيس الشرع: “نحن لسنا في زمن أن الرئيس هو من يقرر كل شيء، ولا أريد لسوريا أن تكون هكذا، ولا أعتقد أن الشعب يقبل بهذا الأمر. وأعتقد أن الحالة الصحية أن تكون هناك حرية واسعة للإعلام، وأن تكون الضوابط قليلة”.
وأشار الرئيس الشرع إلى أن العمل السياسي دون قوانين ناظمة له يكون بوابة للنزاعات والخلافات، وبالتالي يجب ترتيب القوانين والأنظمة والدستور، حتى يعرف العامل في الشأن السياسي المساحة التي ينبغي أن يعمل بها، مؤكداً أنه في نهاية المطاف، سيكون هناك تعددية سياسية في سوريا، وآراء مختلفة، وهذه الحالة الطبيعية التي تليق بها.
سوريا تُبنى بشكل صحيح وما نحتاجه الصبر والثقة
وقال الرئيس الشرع: “لدي مشاعر من الحب فيّاضة تجاه السوريين، وسوريا يجب أن تُبنى بشكل صحيح في بنيتها التحتية، والتحسن سيراه الناس في كل شهر، وما نحتاجه هو الصبر والثقة، وأن نكون موضوعيين أيضاً في طرح قضايانا والتدرج في ذلك”.
وختم الرئيس الشرع بالقول: “لا نستطيع أن نحقق كل الأحلام التي يفكر فيها الناس، وخاصة بعد حرمان على مدى 60 عاماً، وما تحقق إلى اليوم هو شيء كبير جداً، وكما أن الله عز وجل أكرمنا بالتحرير، سيكرمنا بحل مشاكلنا بشكل متدرج وفعّال، ويمس كل بيت في سوريا”.
( سانا – وكالات )