علي محمود جديد :
قدّمت وزارة السياحة صدمة إيجابية منعشة لأهالي قريتي الجميلة النائية ( دوير بعبدة ) الغافية على أعالي الجبال الساحلية بين تشكيلةٍ بديعة من الغابات والأشجار المثمرة .. تفاح وخوخ وتين وعنب وجوز ورمان وغير ذلك .. وخضار متنوعة والكثير من حقول التبغ، كما تحيط بها كروم الزيتون، لتُطل بوجهها البهي على البحر الواسع وامتداد السهل الساحلي الخصيب.
والصدمة التي قدمتها وزارة السياحة – مشكورة – كانت من خلال منشور لها في صفحتها الرسمية على الفيسبوك قالت فيه :
( دوير بعبدة جوهرة الشمال الغربي المخفية في ريف جبلة. تحافظ على سحرها الرّيفي، وترسم تحفة خلابة تأسر عيون وأرواح أولئك الذين يشاهدونها.
يلتقي فيها التّاريخ والطّبيعة والرّوعة الزّراعيّة في سيمفونية متناغمة. وهي القائمة على بقايا دير يعود تاريخه إلى عصر الإمبراطورية البيزنطية. لتبقى شهادة على التّعايش المتناغم بين عجائب الطّبيعة وتراث البشريّة ).
هكذا قالت وزارة السياحة، وأرفقت المنشور بصورة بانورامية للجانب الغربي من القرية أظهرت فيها إطلالتها على البحر وعلى جانب من السهل الساحلي وبعض غاباتها وأشجارها الوارفة والباسقة وبعض المنازل والطرقات.
ورغم أننا لا نعرف أثراً لذلك الدير العائد إلى الامبراطورية البيزنطية، ولكن اسم القرية يوحي بذلك، وعلى كل حال فإن العديد من أهالي القرية عكسوا بهجتهم بما بادرت به وزارة السياحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي – رغم سوء شبكة الانترنت والاتصالات البائسة – معبرين بما يليق بذاك الجمال عن غبطتهم وعن محبتهم للقرية وشكرهم لوزارة السياحة.
إنها فاتحة خير بأن تلتفت وزارة السياحة أخيراً إلى هذا الريف الساحلي الرائع الجمال بطبيعته وتنظر إليه بهذه الطريقة المنصفة وهذا التوصيف البهي، بعد دهورٍ من النسيان وعدم الاهتمام واللامبالاة رغم الكثير من المطالبات والأحاديث الصحفية على مر العقود.
ما نأمله أن لا تقف وزارة السياحة عند حدّ هذا المنشور وبث تلك الصور البديعة بطبيعتها وهي هكذا بروعتها فعلاً دون مونتاج ولا مكياج، فالجمال طبيعي أخّاذ، ونقول لمن رأى تلك الصور ولا يعرف القرية بأن دوير بعبدة أجمل من ذلك بكثير، هي مهيّأة طبيعياً في الحقيقة لأن تكون مقصداً سياحياً لا ينقطع، غير أننا لم نرَ يوماً سائحاً واحداً فيها إلا بعض العابرين وبالصدفة.
فما دامت وزارة السياحة صارت هكذا تدرك يقيناً بأن دوير بعبدة تحافظ على سحرها الرّيفي، وترسم تحفة خلابة تأسر عيون وأرواح أولئك الذين يشاهدونها – مثلما قالته في المنشور – فإننا نأمل من الوزارة بأن تفعل شيئاً عملياً يليق بهذه التحفة الخلابة الآسرة، وتهيؤها لأن تغدو بالفعل مقصداً للسياح، ومحركاً لإنعاش أهلها كنتيجة طبيعية لاحقة عبر الخدمات التي تخلقها المقاصد.
جديرة قريتنا المنسية .. والكثير من القرى الجبلية الساحلية بأن تحظى بالاهتمام اللائق الذي يجعلها قابلة لأن تكون مواقع سياحية فريدة من نوعها، فلابد من الاعتناء بما هو لازم لها من الخدمات، وليس كثيراً على وزارة السياحة بأن تُجري دراسات ميدانية تحدد من خلالها بعض المواقع التي يمكن أن يُقام عليها بعض المنشآت السياحية الجاذبة للاستثمارات وللسياح وتطرحها كمشاريع استثمارية، فلعلنا نُعيد بعدها جانباً من مشهدٍ سريالي يربط الواقع الجديد مع تلك الحضارة البيزنطية المتلاشية .. فمن يدري ..؟ كل شيء ممكن عند الإرادة.
صحيفة الثورة – على الملأ – 11 آب 2024م