جديد 4E

خواطر حائرة..!

 

السلطة الرابعة – عبد الحليم سعود:

في مشواري الصباحي اليومي الالزامي إلى عملي  انتقل في مدة ربع  ساعة تقريبا  وبضع كيلو مترات  من جنوب العاصمة حيث العشوائيات المنسية والمهملة والكهرباء المقطوعة قرابة العشرين ساعة والافران المزدحمة والناس البسطاء المقهورين والسرافيس المخلعة الابواب والكلاب الشاردة الى شمالها حيث الفلل والقصور – صار سعر الشقة هنا قرابة ال ٢٠ مليار ليرة – والترف وأمراء السياسة والاقتصاد والسيارات الفاخرة المتحركة السقوف والسيدات المنفوخة بالسيلكون والخادمات الأجنبيات والكلاب المدللة التي ترفل بالنعيم – اللهم لا حسد- لأجد نفسي أمام حالة من التناقض المريع بين حياتين ومجتمعين .. فأنشطر إلى كائنين لا علاقة لأحدهما بالآخر ، يقف كلاهما عاجزاً تمام العجز عن تفسير ما يشاهده من تناقض ومفارقات.. فيعجب كل العجب وهو يتساءل بحرقة كيف للحرب اللعينة والسياسات الحكومية العاجزة أن تعمق كل هذا التناقض الذي لا يلغيه رفع علم واحد وترديد نشيد واحد وشعار واحد في صباحات المدارس وشلالات لا تتوقف من دماء الشهداء ..وتزدحم في رأسي عشرات الأسئلة من قبيل ماهي قيم المواطنة التي نتبناها.. وهل يحمل سكان الشمال والجنوب في هذه المدينة شديدة التناقض حقا نفس الهوية ونفس الجنسية وهل يدرسان نفس المناهج المدرسية ويسمعان نفس الشعارات في صباحات المدارس، وهل تدير شؤونهما نفس الحكومة ونفس المحافظة وهل وهل.. وأتساءل بحيرة: لماذا يخرج هؤلاء في الصباح الباكر بحثا عن رزقهم الضيق حاملين معهم عشرات الهموم والهواجس دون ثقة في الحاضر أو  المستقبل.. فيما ينام أولئك حتى الظهيرة مطمئنين الى الحاضر والمستقبل وواثقين من كل شيء حتى مصادرة  آخر ليرة في جيوب الفقراء وآخر دقيقة في  أعمارهم…؟ وتراودني أسئلة من قبيل لماذا يمارس هؤلاء رياضة الجري الإجباري خلف اللقمة المغمسة بالدم… ؟ ويمارس أولئك رياضة السيارات المسرعة نحو الثراء السهل الممتنع.. ؟

وأكثر ما يضايقني في زحمة تساؤلاتي المنغصة ذلك المتسول الأحمق الذي يظنني للحظة من سكان الشمال  ويقف متربصا بي علّه ينجح في العثور على ما يريد في جيوبي النظيفة.. وكأني به قد فقد حواسه جميعا  ولجأ إلى أسوأ الخيارات المتاحة أمامه.. واضعا ثقته في المكان الخطأ رغم كل ما يحيط به من إجابات صادمة…!