جديد 4E

الحلاق في العلوم الاقتصادية : قطاع الأعمال يعاني من نقص في الخبرات وضعف الايمان بالتطوير ولديه ثقافة الرفض لأي شيء جديد

 

باكورة محاضرات جمعية العلوم الاقتصادية : أثر التشريعات على قطاع الأعمال

المحاضر يوصي برسوم جمركية مُعتدلة وأمانات جمركية مُنضبطة.. وتشجيع إعادة توظيف الأموال المجمّدة

منع الاستيراد ساهم في حرمان الخزينة من الرسوم الجمركية .. وحالة من الضبابية تشوب بعض التشريعات وتعيق عمل قطاع الأعمال

 

السلطة الرابعة – سوسن خليفة :

أثر التشريعات على قطاع الأعمال باكورة أعمال جمعية العلوم الاقتصادية لعام 2024 والتي قدمها رجل الأعمال محمد الحلاق محاضراً هذه المرة بعد أن عرفناه مشاركاً بالمداخلات ومشاكساً أحياناً .. حيث بدأ محاضرته بتعريفه للحياة الاقتصادية بأنها المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني متمنياً أن يكون منصفاً وموفقاً بالعرض بحديثه عن وجهة نظر قطاع الأعمال وكيفية تقويته من خلال الإيرادات الرافدة للخزينة وتلبية احتياجات المواطن. وبالعموم وحسب رأي الحضور من اقتصاديين ومهتمين بالشأن الاقتصادي فإن المحاضرة كانت بمثابة جرعة عالية من الجرأة وهي بداية موفقة للجمعية.

بدأ المحاضر بالتساؤل عن الفرق بين الأثر والمنعكس بقوله الأثر ممتد والمنعكس لحظي مورداً بعض المفردات التي تحقق التوافق والموافقة مع بعض التعريفات  ” لأن المعرفة الخاطئة أخطر من عدم المعرفة ”

مؤكداً ما يهمنا من سعر الصرف ثلاثة أنواع : السعر التمويلي المحدد ب 13 ألف يضاف إليه 10% عمولات تحويل وسعر الصرف بالسوق السوداء الذي تسعى الإدارة المالية إلى تقريبه من السعر التمويلي.

و سعر الصرف الجمركي المتصف   بالحساسية. والجدول التالي مؤشر على ارتفاع سعر الصرف حيث تضاعف خلال السنوات نحو 12 مرة والسعر الاسترشادي الخاص بالاستيراد و التصدير:

الأعوام 2 / 2020 6 / 2020 4 / 2021 4 / 2022   5 / 2023 12 / 2023
سعر الصرف 706 1256 2512 2814 4000 6500 8585

 

عندما يكون لدى الحكومة رغبة لحماية إحدى الصناعات ترفع السعر الاسترشادي، أما  فرق الرسوم الجمركية  فيأتي من ( رسم انفاق استهلاكي –  محلية و محافظة –  إعادة إعمار – صندوق جفاف – إعادة تأهيل – دعم و تنمية – محلية محافظات – رسم مرفأ – رسم وكالة … )  والتي تصل قيمتها إلى 17 % من قيمة الفاتورة . ونوه السيد محمد حلاق إلى أن الفاتورة أمر هام لكن أسلوب إعطاء الفاتورة هي مثار اختلاف بيننا.

وفيما يتعلق بزيادة التحوط  رأى الحلاق أن المشكلة تكمن في طلب معرفة الكلفة الحقيقية . فالضريبة تتحقق على الربح وليس هناك ما يعرف بالخسارة، وهي مشكلة حقيقية فالخسارة يجب أن تدور ولسنوات. أمّا ارتفاع وانخفاض الأسعار أمر طبيعي جداً نتيجة الظروف التي تؤثر على السعر التوازني، لكن المشكلة تكون في خلق التوازن السعري . ولا يوجد في السوق اسمه كيفية، والربحية هي المحرك الأساسي للاستثمار ومن حقي أن أربح. والحكومة عليها أن ترضي قطاع الأعمال كي ينعكس ذلك على شكل إيرادات عالية ، لأن هذا القطاع  يؤمن الايرادات للحكومة بشكل أساسي وأكبر دليل على ذلك قانون الاستثمار . وبالنسبة لمعدل الفوائد يرى المحاضر أنه عندما يُصبح معدّل الفائدة الممنوح  بالمصارف ( حوالي 14 % حالياً ) و هو أعلى من نسبة الربحية المُحققة أو المسموح بها, تتجه الأموال الى الادخار وعدم الاستثمار، بالتالي تجميد رؤوس الأموال ووقف عجلة الإنتاج والتجارة والتوظيف وارتفاع الأسعار بشكل كبير.

ولكي نضمن استمرار  قطاع الأعمال والتوظيف، لا بد من وجود ربحية .. وذلك من خلال تخفيض ووضوح النفقات، إلغاء النفقات المستورة ( البراني و سواها …  )  مع ضرورة وضوح التشريعات وقنوات العمل. لأن  عدم وضوح التشريعات أو تضاربها  تخلق قنوات عمل غير شرعية وغير منضبطة وأسعارها مرتفعة، وقد يكون ما أوصلنا إلى هنا هو نظرية عند البعض ، ” خلينا نجرب و نشوف شو بيصير ”

ويرى الحلاق أن عدم توافق الدخل ومتطلبات المعيشة هو أمر مُختلف عن سعر المادة  والذي أساسه منافسه مرتفعة ووفرة بالمادة . والمشكلة هنا ليست في التاجر وإنما في ضعف جيب المواطن، مورداً بعض الجمل والمصطلحات المتداولة في الصحافة والتي تغفل سبب الارتفاع في الأسعار هل هو سبب أم نتيجة، وعلينا المعرفة حتى نستطيع حل المشكلة. و من الجمل المتداولة ، أكثر ما يجب العمل عليه هو تحفيز الإنتاج والصناعة بما يساعد على وجود إنتاج فائض من السلع وتصديرها لرفد الخزينة بموارد جديدة.

وعلى صعيد تقييم الأثر التشريعي على قطاع الأعمال كان للمحاضر محطات تبين من خلالها اتباعه لدورات خارجية ودخوله بأكثر من لجنة لدارسة الأسعار وأثر ذلك كان واضحاً من خلال توصله إلى نتيجة مفادها ايجاد الحلول يأتي من خلال النظر بكافة الاتجاهات و أن يكون التنفيذ بناء على توافق.  كما أن هناك معطيات و بيانات لا يعلمها إلا الفريق الحكومي، فهناك أيضاً منعكسات و مستشعرات أحداث لا يشعر بها إلاّ قطاع الأعمال. مثل القروض بقدر ما هي مشجعة لإقامة مشاريع حيوية واقتصادية تعود بالربّحية للجميع، فهي تؤدي أيضاً إلى زيادة فرص العمل، فهناك قروض قد تؤدي إلى إضعاف الليرة السورية من خلال المضاربة عليها. مثال الدعم ، هناك من يراه أساسياً وهناك من يرى أن أي مادة بسعرين هي باب من أبواب الفساد، فالدعم مطلوب و لكن آليات الدعم يجب أن تكون مختلفة

أمّا  أننا نرى تشريعات متزايدة و تضخّم في ارتفاع وانخفاض في الاستثمارات وانخفاض في التوظيف وارتفاع في الأسعار، حينها يجب أن نقف وأن نعيد النظر في هذه التشريعات على أن يكون القطاع المستهدف شريكاً في صنع القرار.

وتساءل المحاضر أين يكمن الخلل في قطاع الأعمال؟ مبيناً أن الفاتورة الجمركية والتخليص الجمركي ومتطلباته مشكلة حقيقية وأبرز أهم سبب في الخلل نتيجة ثقافة عمل متبعة مشيراً إلى أن محاولات الحكومة في إصلاح هذا الخلل الزامية ويجب أن لا تكون كذلك كي يتبعها رب العمل. منوهاً إلى أن قطاع الأعمال يعاني من نقص في الخبرات وضعف الايمان بالتطوير ولديه ثقافة الرفض لأي شيء جديد. وعدم وجود الحوكمة والتضخم وضعف القوة الشرائية. ورغم محاولات المعنيين في الحد من التضخم إلا أن تلك الجهود محصورة أغلب الأحيان بالوزارة نفسها وهذا يؤثر كثيراً على قطاع الأعمال.

ومؤخراً تم السعي إلى حكومة الكترونية و تسديد الكتروني من أجل تخفيض العنصر البشري وتخفيض الهدر ورفع الكفاءة، ولكننا لم نوفّر حواسب بأسعار تشجيعية ولا ألغينا الرسوم الجمركية عليها، وفرضنا رسوماً جمركية مرتفعة على الموبايلات !!!!

بينما يُفترض بأي قرار أو قانون أن يؤدي إلى انسيابية اكثر للسلع، ووفرة وتنافسية ، و من ثم استقرار وانخفاض بالأسعار و رفاهية للجميع.

وفيما يتعلق بارتفاع قيم المخالفات فهي ليست مؤشراُ صحياً بل  أمراً سلبياً حسب رأي المحاضر.

وأيضاً قانون الاستثمار جيد  من حيث المبدأ لحين إنشاء المشروع، و لكن من خلال تطبيق كافة التشريعات عليه يصبح غير قابل للعمل بشفافية.

لقد نجحت وزارة الاقتصاد في تخفيض فاتورة الاستيراد ولكن الاحصاءات تقول أن النجاح نسبي، وأدى إلى زيادة التهريب وانخفاض الصادرات بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج .

ويبين الجدول التالي الميزان التجاري السوري من حيث الواردات والصادرات:

الميزان التجاري السوري (الأرقام بملايين الدولارات)

 

   الصادرات  الواردات  الميزان التجاري
2010   18,000  
2019       2,750     6,789                  (4,039)
2020       2,495     5,701                  (3,206)
2021       1,096     5,382                  (4,286)
2022         612     4,325                  (3,713)

 

ونجد أن رقم المستوردات قد   انخفض في 2023 إلى حوالي 3.000 مليون دولار

وأوضح الحلاق أن قرار منع استيراد أي صنف لا يعني عدم وجوده بالأسواق وإنما ارتفاع السعر  واحتكار البيع و بالتالي  حرمان الخزينة من الرسوم الجمركية،

مبيناً أن الهدف ليس أن نفتح الاستيراد وإنما وضع ضوابط محددة . ويبين الجدول حجم التهريب حسب تقدير المحاضر أيضاً لفوات الرسوم الجمركية إلى ما يقارب 1.25 مليار دولار

حجم التهريب $

( رأي شخصي)

سعر الصرف الجمركي وسطي الجمرك مع الاضافات وسطي الجمرك مع الاضافات
10 مليار $ 8585 ل.س. 18 ألف مليار ل. س. 1.25 مليار $

 

 

وعن  أهم قانونين أثّرا على قطاع الأعمال يرى المحاضر أن المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021 و الخاص بحماية المستهلك أوجد الكثير من القيود والمعوّقات على العمل وعقوبة السجن للكثير من المخالفات التي لا تستدعي السجن.

ومنذ ما يقارب السنة اجتمعت اللجان للتعديل ولم يتم أي شيء حتى الآن.

كما ألزم القانون رقم 8 لعام 2020 الخاص بتنظيم الغرف التجارية و اتحادها،

تسجيل عمال بالتأمينات الاجتماعية لكل من يتوجب عليه الحصول على سجل تجاري، وهو ما تم رفضه من قبل المجتمع التجاري بالكامل وأعاق التسجيل بالغّرف التجارية، و أدّى إلى الكثير من التجاوزات. وأغلب التجار سجلوا أنفسهم أو زوجاتهم ولم ينعكس بشكل ايجابي ولكن ما حدث ايراد للتأمينات الاجتماعية.

كما صدر القانون رقم 11 لعام 2023 و الخاص بتحول الشركات إلى شركات مساهمة. القانون هام جداً.  وتمت إعادة صياغته وإقراره و لكنه لم يأخذ بأسباب عدم تحول الشركات سابقاً،  فهو يحتاج إلى تعديل منظومة العمل بالكامل، حيث أن التشابكات الحالية، لا تسمح بالشفافية الكاملة مع الدوائر المالية و التجارة الداخلية والتأمينات الاجتماعية و سواها.

وبالنسبة للضرائب ركز المحاضر على قضايا يتلمسها بشكل فعلي قطاع الأعمال كونه على تماس مباشر مع الدائرة المالية المختصة بالتحصيل الضريبي فهناك من يرى أن تخفيض المعدّلات الضريبية هو المشكلة الأكبر، بيد أن العائق هو الآليات المعمول بها من خلال دراسة تكاليف المكلف. حيث يتم رفض أكثر من 98 % من البيانات الضريبية و تعديل رقم عملها،  بحجة عدم الوثوقية أو أي أمر أخر فهذا يعني، إمّا أن  التشريعات متشابكة أو أن هناك  خللا في إدارتها أو أن كامل مجتمع الأعمال غير مستقيم.

و تبقى العلاقة التاريخية المتوترة وانعدام الثقة هما العنصران الأساسيان،

وعلى صعيد الربط الالكتروني  يرجع المحاضر الأسباب لغموض نتائج العمل في      قطاع الأعمال، وافتقار الدوائر المالية للمعلومات حول ممارسي المهن المختلفة. ولذلك لا يتحقق الهدف المرجو من الربط.

وخلص المحاضر إلى نتيجة مفادها  أن مُنعكس تطبيق نظام الفوترة كما هو المطلوب حالياً من النهاية وليس من البداية سيؤدي حُكماً إلى خلل كبير في  تراجع حجم الاستيرادات وحجم الإنتاج وحجم التوظيف،  وانخفاض الإيرادات المُتوقّعة للمالية. و بالتالي  ارتفاع أسعار شديد جداً بسبب ضعف الوفرة وانعدام التنافسية وزيادة التهريب.

ورأى المحاضر أننا لا نملك رفاهية الوقت، لكننا  نسير بخطى بطيئة جداً لا تقدّر معاناة قطاع الأعمال ولا تسعى لزيادة فعاليته، و رفع كفاءته .. وكلمة السر لنجاح أي مشروع، الثقة بالمشروع و الأمان الاقتصادي

يعيش الاقتصاد السوري حالة من الضبابية في كثير من التشريعات، مما يتوجب أن نُحدث تدخلاً سريعاً من أجل المعالجة، و خلق توازن بين  كافة الوزارات المعنية بالشأن الاقتصادي. ومن أجل أن يتم التعديل، يلزم الاعتراف بوجود الكثير من الخلل ولا بد من تغيير العقلية التي نعمل بها والنمطية الحالية. والاستعانة بأهل الاختصاص و توحيد الرؤى والأهداف. و تحديد البوصلة ، بماذا نرغب؟

إيرادات أكثر – توفر سلع – الحفاظ على المدخرات – توفر السلع بأرخص وأدنى الأسعار – القضاء على التهريب – القضاء على الفساد ما أمكن – تخفيف ما أمكن من اقتصاد الظل ….

ومن التوصيات ركز المحاضر على ضرورة الحصول على تشريعات متكاملة ومتناغمة وتبسيط الإجراءات و تطبيق مبدأ القطاع الخاص شريك حقيقي، وإتّباع قواعد السوق من حيث العرض والطلب، والوصول إلى رسوم جمركية مُعتدلة، وأمانات جمركية مُنضبطة ، وضرورة تشجيع إعادة توظيف الأموال التي تم تجميدها في الأدراج أو في العقارات و تحويلها إلى مُدّخرات.

ختاماً و بالمختصر، نحن بحاجة إلى مؤسسات كفوءة تعمل بإدارات نزيهة مع سياسات سليمة ستؤدي حتماً إلى كفاءة اقتصادية وعدالة اجتماعية.

أدار الندوة فؤاد اللحام أمين سر جمعية العلوم الاقتصادية بالإشارة إلى أن موضوع المحاضرة إشكالي لأنه يتعلق بقطاع الأعمال. والمعروف عن المحاضر الجدية في الطرح والاستفزاز للآخرين من خلال مداخلاته في المحاضرات السابقة.

المداخلات:

  • د. عامر خربطلي: سأل المحاضر هل تعقيد العمل يعطي ربحية أكثر؟
  • السيد علاء مريم رأى أن الحل بالحوكمة ضمن البيئة التشريعية الحالية.
  • محمود المفتي: طالب بتطبق التشريعات بصورة صحيحة على الجميع
  • عبد العزيز معقالي: طرح فكرة التوجه إلى أعضاء مجلس الشعب لتقديم اقتراحات بتشريعات قانونية جديدة وذلك للاستفادة من أعضاء المجلس كونهم مخولين بتقديم مشاريع قوانين.
  • محمد الخطيب: التشريعات لوحدها لا تخلق مناخ استثماري لا بد من استقرار البيئة التشريعية والبنية التحتية
  • خالد الخن: لا بد من مراجعة القوانين وليس نسفها، والاصلاح وفق مقومات التعافي الاقتصادي
  • أيمن مولوي: المرسوم رقم 8 يضع الغرامة المالية مع الحبس. لأول مرة لا يقول إحدى العقوبتين. ولم يتم التعديل حتى الآن.

وعقب المحاضر بالقول يجب أن تكون القوانين قابلة للتطبيق قائلاً:

ضعوا السكة حتى أمشي بشكل صحيح. مؤكداً على ضرورة أن تقوم  الحكومة بالجباية والرعاية معاً. وهذا حقها فمن أين تنفق؟