جديد 4E

عسى ألا أكون نسيت شيئاً إلا بعض قلبي.. في منزل سوري نفخر به وبأهله .. يسمونه قصراً

 

نهلة السوسو :

وأنا في طريقي للقاء السيدة الأولى كان ذهني مشغولاً بفكرة واحدة لا تغيب حتى تحضر، وهي سبب اللقاء: هجمة التطبيع التي باغتتنا في ليل لا قمر فيه، على شاشة وطنية رسمية، والاحتفالية التي رافقتها باستضافة “مفكر” اسمه يوسف زيدان وراءه تاريخ لا شبهة فيه، يختصر جهود هرتزل وكل من نفذ مشروعه حرفياً مهما اختلفت اللغة التي يتحدث فيها. ورحت أصوغ فكرة أبدأ بها حديثي مع سيدة كنت أتذكر مقولة “إريك فروم” لحظة اتصل بي مكتبها الذي ميز الأحلام بعادية، وعظيمة ( أعني فروم)، لكن كل الأفكار تلاشت حين شعت ابتسامتها وأنا مبهورة دائماً بأناقتها المدروسة (الملابس رسالة شخصية واجتماعية) وبسلاسة قادتني إلى مكتب بسيط، تكييفه يأتي من نافذة مفتوحة على أشجار خضراء، حيث لا برودة آتية من مكيفات تعمل على الكهرباء.

غير حديث التطبيع المذموم الذي مرّ أكثر من ثلاث مرات خلال ساعة وأكثر، كنت أكمل الصورة الواسعة لهذه السيدة المثقفة التي تصغي بكل جوارحها وفوق وعيها بما تعنيه الهوية الوطنية الجامعة، وهي شغل الكتاب والمثقفين والإعلاميين، قلت لها: أهم الرسائل الموجهة التي نتلقاها ويتلقاها العالم بأسره، هي صورة العائلة المتحابة المتفاهمة. أتذكر سفرك إلى حلب يوم نال حافظ وهو طفل الجائزة الثانية في الرسم. ويومها كنت هناك ضمن لجنة تحكيم الأعمال الأدبية للأطفال. هنا عدنا إلى حافظ الذي أصرّ على تعلم اللغة الأرمنية في يفاعته، وكم كانت دهشتها كأم أن يختار هذه اللغة دون كل لغات الشعوب، لكنها اقتنعت ومهدت له الطريق، حين قال: لا أعرف عن هذا الشعب العظيم إلا أنه هُجّر واستُقبل في سورية وصار من نسيجها الإنساني.. وأريد أن أعرف أكثر.

-كانت قهوة السيدة أسماء بنكهة سورية خالصة، ولم تكف عن الضحك حين كنت أروي لها أحداثاً على طريقة المحطات مدمنة الكذب والافتراء رغم ثقتي أنها متابعة أكثر مني…

لفتني ما قالته عن مرحلة دراستها في لندن وحرص والديها على الحصول على الجرائد السورية ليبقى الأبناء على صلة بالبلد بكل ما فيها. وفي الواقع كل ما في هذه السيدة لافت حتى حين يأتي ذكر سيادة الرئيس، فهي تذكره بصفته رئيساً، ولا عجب أن تفعل ذلك، هي التي قالت لي في دَرج الكلام أنها علمت أولادها أن ينهضوا وقوفاً إذا دخل ضيف على المكان الذي يجلسون فيه.

حين غادرت وودعتني حتى الباب الخارجي وقبل التقاط الصور التذكارية التي قلتُ فيها: سأبدو قصيرة قرب غصن بانٍ رشيق جميل، غمرت المكان بابتسامتها التي لا تصنع فيها، وقلت: كم ستبقى الأصداء في نفسي بعد هذا الصباح السوري، وعسى ألا أكون نسيت شيئاً إلا بعض قلبي، في منزل يسمونه قصراً وهو في الواقع بيت سوري نفخر به وبأهله ماضياً وحاضراً

عن صفحة الزميلة الأستاذة نهلة السوسو