جديد 4E

شكراً لوزارة الاقتصاد على ما أفصحت عنه .. رغم أنه لا يهمّ الكثيرين .. شممتُ رائحة مواطنيّتي

 

التضخم يتكفّل بالتهام دخلنا وحرقه .. أكثر مما تكفّلت النيران مؤخراً بغابات ريف اللاذقية الشمالي..

مبادرة وزارة الاقتصاد ربما تساهم بكسر الجليد بين الحكومة والمواطن الذي لن ينسى انتظار نتائج اللجنة المشتركة رغم التطنيش

 

السلطة الرابعة – علي محمود جديد :

في الحقيقة ألف شكر لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية على مبادرتها يوم أمس بتوضيح بعض النقاط المتعلقة بالواقع التجاري والاقتصادي والصناعي، والتي تناولت فيها أسباب إحداث “منصة تمويل المستوردات” في السابق، والقرارات المتعلقة بالعملية التصديرية وبإعادة ترميم المدينة القديمة بحلب، وقانون تجريم التعامل بغير الليرة السورية، وقانون الاستثمار وآليات تشكيل مجالس الأعمال وغيرها من الأمور، التي شكلت محور التوضيحات التي تحدثت عنها الوزارة، والتي كرّست من خلالها حالة مفقودة إلى حد كبير عند مختلف أجهزة الدولة وإداراتها، وهي حالة وضع المواطن بصورة ما يحصل وإشراكه ولو بملامح الحياة العامة، كي يشعر – على الأقل – أنه مواطن فعلاً وهناك من يهتم به وبوجوده وحريص على أن يكون على علم بما أمكن مما يجري حوله من القضايا التي قد تكون مؤثرة هي أو ارتداداتها عليه، ويحترم مواطنيته بعيداً عن التهميش وعدم الاكتراث به وبوجوده.. وقد يكون له آراء مفيدة حولها.

من هنا تأتي أهمية ما أفصحت عنه وزارة الاقتصاد لعموم المواطنين فضلاً عن أهمية ما أحدثته من إجلاءٍ للصورة بالنسبة للمتأثرين مباشرة بتلك القضايا إن كان لجهة المنصة، أم التعامل بغير الليرة، أو ما يخص التصدير والاستثمار وترميم المدينة القديمة بحلب .. وما إلى ذلك.

لقد شممتُ رائحة مواطنيّتي شبه الضائعة – وأتحدّث هنا عن نفسي – وأنا أقرأ بنهم ذلك الاستعراض الصادر عن وزارة الاقتصاد رغم أنه على الصعيد الشخصي لا يهمني بشيء، ولا يهم الكثيرين من الناس أيضاً في ظل الأحوال المعيشية الصعبة التي نكابدها الناجمة عن هذا التضخّم المفرط الذي يتجلى بهذه الارتفاعات المذهلة للأسعار والتي تتكفّل بالتهام الدّخل سريعاً وحرقه بلا هواده أكثر مما تكفّلت النيران مؤخراً بغابات ريف اللاذقية الشمالي.

فقد تجنّبتْ وزارة الاقتصاد في إفصاحاتها أي حديث عن الوضع المعيشي الصعب أو عن تحسين مستوى الدخل بما ينسجم مع الدستور الذي يقضي بالأجر العادل وبما لا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُرها.

فلم يكن مناسباً هذا التغاضي لوزارة الاقتصاد عن الحالة المعيشية الضاغطة على كل الناس والتي من المفترض أنها تعني وزارة الاقتصاد أكثر بكثير مما تعنيها عمليات ترميم حلب القديمة، ليس استهانة بأهمية ذلك – فحلب في القلب دائماً ويكفيها ما ذاقته من ويلات الحرب – ولكن قياساً بنطاق القضية، فالحالة المعيشية واسعة النطاق جداً وتخص الجميع، فيما عمليات الترميم ضيقة النطاق وتخص من له علاقة بالمكان، مع تقديرنا وشغفنا بالأهمية التراثية للأمر، فكان من الأجمل أن تلتفت وزارة الاقتصاد لأحوال الناس الأشد صعوبة وتضعنا بصورة هذا المشهد البائس مهما يكن، كي لا نشعر أن لنا قيمة في مكان .. وبلا قيمة في مكانٍ آخر.

لا نريد أن نحمّل وزارة الاقتصاد وزر هذا الوضع كله، لا سيما وأنها تفرّدت بالمبادرة بما أفصحت عنه، وهي في الحقيقة ليست وحدها المسؤولة عن أوضاعنا، فالمسؤولية عن هذا البؤس تأتي على نطاق حكومي أوسع، وكان الأولى معاتبة الحكومة على ما تبديه من ازدراء وجفاء نحونا، وكأننا نحن المسؤولين بسياساتنا وإجراءاتنا عن تعطيل مشروع التشريع – الذي ننتظره كسراب – حول زيادة الرواتب والأجور – مثلاً – وبما يتناسب مع الحالة المعيشية، ويتواءم مع المفهوم الدستوري لهذا الأمر.

على كل حال ألف شكر لوزارة الاقتصاد على هذه البادرة فعسانا نلحظ بعد حين مبادرات متلاحقة تفك ذلك الحظر عن الإيضاحات والمعلومات، وتُحدث بيننا وبين الحكومة مصالحة، فهي لم تستطع أن تجني شيئاً بالأصل من ذلك التكتم والتناسي وعدم الاكتراث بنا سوى الخصام والغربة وعدم الإعجاب والكثير من التراكمات والوزمات الالتهابية.

والحكومة بجفائنا لا تنسانا وحدنا .. بل تنسى أيضاً ما قاله لها السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته لها عند بداية تشكيلها في 14 آب من عام 2021م، حيث اجتمع معها وقال :

( فكرة المشاركة أساسية لنجاحنا في العمل، توسيع المشاركة قدر المستطاع، مع المبادرات الشعبية والهيئات الشعبية، مع أشخاص، مع أصحاب الاختصاص.. توسيع المشاركة يعني المزيد من الأفكار، وبما أننا نتحدث عن المشاركة فلا يمكن أن نشارك المواطن دون الشفافية كمبدأ، يجب أن تكون الشفافية مبدأ أساسي في عملنا، المواطن لا يستطيع أن يشارك ويبدي رأيه ويساعدنا في اتخاذ القرار بشيءٍ هو لا يعرف عنه. فإذاً يجب أن تكون هناك شفافية مع المواطن ودون خجل، بالعكس المواطن يقدّر الشفافية حتى ولو كان ضد المسؤول، هذه المشاركة مع الشفافية تقلل من أخطائنا كمسؤولين، وبالمحصلة عندما نطلب من المواطن أن يتفهم الظروف فهو سيتفهم..)

أجل نتفهّم فعلاً .. فهل كانت الحكومة خجولة فعلاً من نتائج أعمالها مثلاً ..؟ هو في الحقيقة شيء مخجل .. ولكن الجفاء ضخّم الأخطاء أكثر ودفع الكثيرين منّا إلى عدم تفهّم الظروف، فماذا يعني أن الحكومة في كل جلسة لها تقريباً تتحدث عن تحسين مستوى المعيشة، وأنها – يا لطيف – كم هي مهتمة بذلك، في الوقت الذي تتردّى فيه معيشتنا يوماً وراء يوم، قبل هذه الأيام التي صارت تتردى ساعة وراء ساعة، وهي ترى معنا هذا التناقض بين الوعود والواقع ومع هذا بقيت صامتة بلا شرحٍ ولا توضيح ومُعجبة بتصرفاتها كثيراً ( يكتّر خير مجلس الشعب ) الذي أخرجها عن صمتها وسمعنا عبر جلسته الاستثنائية شيئاً عن بعض أوجاعها ولكننا على فكرة لم ننسجم، وأكثر ما هنالك فنحن بانتظار نتائج اللجنة المشتركة .. وإن كانت الحكومة عادت الآن إلى الجفاء والتطنيش أملاً بنسياننا .. فلن ننسى .. سننتظر نتائج اللجنة.