جديد 4E

الدفع الالكتروني الغائب

 

عبد الرحمن قرنفلة :

رغم ان العمل الوظيفي بمفهومه العام هو خدمة عامة وموظف الدولة هو موظف خدمة عامة أي ان واجبه الوظيفي تقديم خدمات مؤسسته او وزارته او هيئته او ادارته بأفضل صورة وأيسر طريقة تسهل عمل جمهور المراجعين وبأقصر وقت ممكن….وحتى فترة ليست بعيدة كان جزء من راتب موظف البنك في سوريا ( البنوك الخاصة في مطلع الخمسينات) يمنح بناء على تقييم حسن تعامله مع مراجعي البنك وجزء يمنح لقاء حسن مظهر الموظف…

لكن يبدو ان المفاهيم اصبحت ضبابية وبعض من الموظفين الحكوميين يعتبرون أنفسهم أنهم أولياء نعمة المراجعين وأنهم إن قدموا واجبهم الوظيفي تجاه المواطن فهم قد تفضلوا عليه بجهدهم متناسين أن رواتبهم بالنهاية من جيوب هؤلاء المراجعين فخزينة الدولة جيوب رعاياها.

ما دعاني لكتابة هذه المادة الصحفية هو ما يعانيه المواطن عندما يحتاج خدمة في وزارات وادارت الحكومة …ولن اذهب بعيداً لأتحدث عن معاناة واقعية عاشها احد مربي الدواجن في ريف دمشق عندما قرر اجراء تحليل لمادة علفية في مختبرات وزارتي التجارة الداخلية وحماية المستهلك…والزراعة والاصلاح الزراعي . حيث تبدأ رحلة المعاناة من احضار المادة من المدجنة بريف دمشق الى مختبر وزارة التجارة الداخلية في منطقة مساكن برزة ( حاميش) ثم التقدم بطلب خطي مع اثبات الاسم والهاتف والرقم الوطني والعنوان وتحديد الاختبارات المطلوبة لعينة العلف .. ثم يتم تنظيم إشعارين أحدهما إلى الخزينة المركزية بوزارة المالية بنسبة ٦٥% من أجور التحليل يتم تسديده في وزارة المالية في السبع بحرات بدمشق، وآخر بقيمة ٣٥%من أجور التحليل تنطلق به الى مقر وزارة التجارة الداخلية عند مشفى ابن النفيس لتقف وقتا طويلا وليس محددا في طابور انتظار تسجيل الاشعار بالحاسب الالي  ثم تحصل على إذن دفع لتقف في طابور آخر أمام نافذة أمين الصندوق بنفس المبنى ريثما يفرجها الله عليك لتسدد المبلغ وبعد هذه الرحلة الماراتونية بين متاهات وزارة المالية ودهاليز وزارة التجارة الداخلية  تعود بإشعارات الدفع الى المخبر في برزة لتسليم تلك الاشعارات وبدء أعمال تحليل عينة العلف.. ثم تراجع بعد ايام نفس المختبر لتستلم النتيجة…

اما التحليل بمخابر وزارة الزراعة فيبدأ من احضار العينة من المدجنة بريف دمشق الى مقر مديرية الانتاج الحيواني بدوار البيطرة وتقديم طلب وتسجيله بالديوان  بعد استكمال عدة تواقيع وتكليفك بالذهاب للبحث عن طوابع للصقها على الطلب حيث تضطر للسير مسافات طويلة تحت اشعة شمس الظهيرة وثم يتم تنظيم جدول بالتحاليل المطلوبة وحساب أجور تحليلها وإعداد كتاب إلى وزارة المالية .. الخزينة المركزية بالسبع بحرات لاستيفاء اجور التحليل وتوقيع الكتاب من المدير وختمه من الديوان  والعودة بإشعار التسديد وتسليمه الى مديرية الانتاج الحيواني في دوار البيطرة وتنتظر الفرج ريثما يتم ارسال العينة الى مختبر الاعلاف في طرطوس نظرا لعدم وجود مادة المازوت لتشغيل مولدة كهرباء مختبر دمشق..

هل فكر أحد من العاملين بالحكومة بحجم التكاليف المالية والجهد الجسدي والضغط النفسي الذي يتكبده مربو الدواجن حرصا منه على التأكد من سلامة الاعلاف التي يقدمها لدجاجه ليمنع انتقال امراض أو يحول دون استخدام عقاقير بيطرية قد يكون لها تأثير سلبي على المستهلك ..؟

ايها السادة نحن في عصر الاتمتة وانتهى عصر تعامل الموظف الحكومي بالنقد مع المراجع.. ولكم في شركات الدفع الالكتروني أسوة حسنة اذ يمكن ان يشتري المواطن بطاقة الكترونية ذات قيمة نقدية ويكتفي موظف الاستيفاء بالمخبر أو باي دائرة حكومية  بتمرير البطاقة على جهاز خاص مربوط بحاسب متصل مع وزارة المالية ليقتطع اليا قيمة المبالغ او الاجور المطلوبة من بطاقة المراجع وبذلك تكون المبالغ قد تم استيفاؤها مباشرة من قبل وزارة المالية وبشكل مسبق….

الى متى نستهتر بالمراجع لدوائر الحكومة ..ومتى نتخلص من العقليات البيروقراطية في اجهزة الحكومة ومتى ننتقل الى الحكومة الالكترونية….؟؟؟ نحن بالانتظار