جديد 4E

أوضاع متفاقمة ومماطلة مستمرة .. مناورة حكومية جديدة فلا قرار بشأن الوضع المعيشي والرواتب والاكتفاء بإحالتهما إلى محور نقاش..

 

مجلس الوزراء يناقش تحسين الوضع المعيشي وواقع الرواتب والاستمرار بخطوات إعادة هيكلة الدعم

 

السلطة الرابعة – علي محمود جديد :

أتخمونا نقاشاً وكلاماً فارغاً ووعوداً لا طائل منها، ومستودعات عقولنا امتلأت وفاضت ولم تعد رفوفها ولا زواياها تتسع لمثل هذه البضاعة الكاسدة التي لا سوق لها في عالمنا البائس الذي سئم الحياة بعد هذا الجور الحكومي كله، وهذا الفشل في التعاطي المستهتر مع شؤون وحياة الناس الذين يزدادون يوماً وراء يوم ضيقاً وفقراً وقهراً، ولا يحظون إلا بحفنة كلامٍ لا محل لها من الصرف ولا من الإعراب.

فعلى الرغم من الحالة الرديئة بل والمُذلّة التي نكابدها في حياتنا المعيشية الأكثر من سيئة، ما تزال الحكومة تُماطل وتتعاطى بكل برودة وعدم اكتراث حقيقي لما وصلت إليه الحالة المعيشية للناس، والناجمة في كثير من الحالات عن قرارات حكومية جائرة، والتي توجت أخيراً برفع أسعار الاتصالات على الرغم من الأرباح الفاحشة التي تقتنصها الشركات المزودة للخدمة، وما تلا ذلك من رفع لأسعار الغاز المنزلي والصناعي وأسعار البنزين، ما يعني موجة غلاء عاصفة – فوق الموجات الغارقين بالأصل بها – ستطال الكثير من المواد والسلع وجوانب الحياة الغذائية والدوائية والتعليمية والعديد من الخدمات.

وبمقدار ما كانت قرارات رفع الأسعار رشيقة ومباغتة وسريعة التنفيذ، بمقدار ما تكون إجراءات حلحلة الوضع المعيشي سلحفاتية بطيئة .. مسبوقة بجولات من الأخذ والرد والنقاش الممجوج، بما يبدو تهرباً حكومياً من الاستحقاق الدستوري الذي لا يجيز للأوضاع المعيشيّة أن تتردّى إلى هذا القدر كله، ويُلزم الحكومات ( بموجب المادة الأربعين من الدستور ) بأن تحافظ على تناسب مستمر بين الدّخل والأسعار، وذلك عندما أقرّت تلك المادة بأن لا يقل الحد الأدنى للأجور عن ضمان متطلبات الحياة المعيشية وتغيّرها .. !

احترافية التأجيل والمماطلة:

رواتبنا تآكلت بشكل فظيع منذ عام 2011 وإلى اليوم، حيث انحدرت قيمتها من / 400 / دولار شهرياً إلى / 14,5 / دولار في الشهر، يعني باختصار أن متوسط رواتبنا التي كانت في بداية الأحداث بحدود / 20 / ألف ليرة تراجعت هي نفسها اليوم لتصير بحدود / 725 / ليرة كنتيجة نهائية مُقاسة على تبدلات سعر الصرف والزيادات الحاصلة للرواتب، وهذا تراجع حاد للدخل، لم يحصل بين يوم وليلة بالتأكيد، بل حصل نتيجة تراكمات عديدة من سوء الإدارة أولاً ومن مختلف الظروف المعروفة ثانياً.

لقد بدت مختلف الحكومات المتعاقبة خلال تلك الفترة مرتبكة إلى حد كبير، ولم تستطع اجتراح أي حلول قادرة على مجابهة ما يحصل، فبقي الدخل يتراجع .. والأسعار ترتفع بشكل كبير عبر موجات متلاحقة لا تهدأ، والحكومة بدلاً من لجم الأسعار واستقرارها تقوم بين كل فترة وأخرى بالنفخ  في نيران تلك الأسعار، فتزيد من أسعار منتجاتها هي وخدماتها وأسعار السلع المحصورة بها لتزداد الأمور تفاقماً دون أن تتخذ أي إجراءٍ مقابل، يساهم بتعديل الأوضاع وإحداث حدٍّ أدنى من التوازن.

وبعد كل ما قاسيناه مع مختلف الحكومات، يمكننا القول – وللأمانة – بأن الحكومة الحالية تفوّقت إلى حدّ كبير في قدرتها على زيادة الأوضاع سوءاً من خلال عجزها البادي عن اجتراح الحلول، واشتُهرت بإطلاق الوعود الفارغة والتطمينات الخلبية، بالتوازي مع تسارع غير مسبوق في زيادة تردّي الأوضاع المعيشية.

فبعد زيادة أسعار الغاز والبنزين في 22 أيار، بأوامر واضحة وصريحة من رئاسة الحكومة، توقعنا من هذه الحكومة أن تقرر شيئاً مفيداً يعوّض على الناس آثار ارتدادات مثل هذه الزيادة المباغتة، خلال جلستها الأسبوعية التي كانت في اليوم التالي 23 أيار، ولكن لا حياة لمن تنادي، فقد اكتفت الحكومة بأن أتحفتنا برشقاتها المعتادة من الكلام والوعود الفارغة، وأنبأتنا بالخبر العظيم بأن مجلس الوزراء ناقش بشكل موسع الواقعين الاقتصادي والمعيشي والإجراءات والخطوات الحكومية المطلوب اتخاذها لتجاوز الظروف الراهنة وتحسين الأوضاع الخدمية والتنموية والمعيشية، وأهمية وضع الدعم في مكانه الصحيح وتوجيهه إلى محتاجيه الفعليين ومستحقيه من الشرائح الأكثر حاجة.

وبعد هذا الكلام الفارغ هبّت الأسعار من جديد، لتتحفنا الحكومة مرة أخرى في جلستها يوم أمس برشقة جديدة من مثل هذا الكلام لتقول بأن ملف تحسين الوضع المعيشي وواقع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمتقاعدين، والاستمرار بخطوات إعادة هيكلة الدعم بما يضمن وصوله إلى مستحقيه الفعليين وتوجيهه نحو الفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع، مع زيادة محفظة الدعم المقدمة لقطاعات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية وغيرها من القطاعات ذات الأولوية، والإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها في هذا الإطار، كانت أبرز محاور النقاشات المطروحة خلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية اليوم برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس المجلس.

وهكذا لم يعد علينا همّ ولا غمّ ما دامت الحياة المعيشية وواقع الرواتب والأجور صارت محوراً من محاور النقاشات المطروحة، وأحدثت الحكومة بذلك نقلة نوعية ومنعطفاً هاماً جداً بتحويل النقاش من نقاش موسع .. إلى محور نقاش .. وعلينا الانتباه بأنه ليس مجرد محور نقاش .. وإنما من أبرز محاور النقاشات.

وهكذا لا مشكلة بعد اليوم بهذا المنعطف الكبير الذي سننتظر تحولاته في جلسة الأسبوع القادم لنرى إلى أين سيصل ..؟ فمن يدري .. قد يتحوّل محور النقاش إلى ملف نقاش .. وللملف فصول وأبواب وأقسام .. ( وشو عليه .. وليش شوصاير علينا ) ..؟!!