جديد 4E

RT   تنشر تقريراً في ذكرى استشهاد حامية البرلمان السوري على يد الاستعمار الفرنسي : الحرب ثلاثة أيام على دمشق..

 

السلطة الرابعة – متابعات :

نشرت قناة ( روسيا اليوم –  RT ) على موقعها اليوم تقريراً شيّقاً بعنوان ( الحرب ثلاثة أيام على دمشق ) وذلك بمناسبة ذكرى استشهاد حامية البرلمان السوري من الشرطة والدرك على يد الاستعمار الفرنسي في الـ 29 من أيار عام 1945. وقالت:

قصفت القوات الفرنسية في مايو من عام 1945 مبنى البرلمان السوري في دمشق، وقتلت معظم حراسه، وطال القصف الذي استمر 3 أيام عدة أحياء في المدينة ما تسبب في مقتل المئات وجرح نحو ألف.

كانت الحرب العالمية الثانية أثناء تلك الأحداث، قد انتهت لتوها، إلا أن الصراع حول النفوذ في منطقة الشام بين الحليفتين فرنسا وبريطانيا برز حتى قبيل ذلك، فقررت باريس التي ذاقت مرارة الاحتلال النازي الألماني، استعادة سيطرتها على دمشق وبيروت، والتحول مجددا من ضحية إلى جلاد!

عقب حادثة قصف دمشق، صرح سعد الله الجابري رئيس الوزراء السوري في ذلك الوقت بأن مديرية الصحة في دمشق أصدرت تقريرا رسميا جاء فيه “أن عدد القتلى من المدنيين في دمشق بلغ 600 شهيد، وأن الجرحى والمشوهين بلغوا 500 جريح، والذين أصيبوا بجراح يمكن معالجتها بلغوا 1000 جريح، وهناك 120 شخصا من الدرك بحكم المفقودين أما الخسائر المادية فهي جسيمة جدا”.

بريطانيا كانت قررت مزاحمة فرنسا على نفوذها في الشام منذ مطلع عام 1944، وبحثت حكومتها فكرة إقامة “سوريا الكبرى” لتضم فلسطين وشرق الأردن ولبنان وسوريا، وجعلها حليفا قويا على المدى الطويل.

الفرصة كانت سانحة، وكان نفوذ فرنسا في الشام ينحسر بسرعة، فقررت لندن الاستفادة من ذلك الوضع لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، وبدأت عمليا في الوقوف ضد نفوذ حليفتها ضد النازية.

على الأرض، أوكلت بريطانيا هذه المهمة إلى العقيد والتر فرانسيس ستيرلنغ، وهو  مستعرب ورفيق لورانس العرب، وكانا دخلا معا إلى دمشق بعد الانتصار في الحرب العالمية الأولى، فيما عينت الجنرال لويس سبيرز وزيرا مفوضا لها في سوريا ولبنان.

نسج من يمكن وصفه بـ”لورانس سوريا” علاقات وثيقة مع السوريين وخاصة في وسط وشرق البلاد، وعدته باريس عميلا بريطانيا يعمل على تقويض نفوذها ويسعى لإبرام اتفاقية تحالف بين السوريين وبلاده، فقامت بوضعه تحت مراقبة لصيقة.

السوريون من جهتهم لم يكونوا في معظمهم ضد التحالف مع بريطانيا، وذلك لرغبتهم في التخلص من الفرنسيين في أسرع وقت، إلا أنهم كانوا يرتابون في فكرة “سوريا الكبرى” البريطانية.

في يونيو عام 1944، قبل يوم من بدء إنزال الحلفاء قواتهم في نورماندي عام، اجتمع الوزير البريطاني المفوض في سوريا ولبنان برئيس الوزراء السوري سعد الله الجابري ووزير الخارجية جميل مردم، ووعد بأن تدعم لندن أي اتحاد للعرب يرسمونه لأنفسهم، بشرط أن يساعدوا في طرد الفرنسيين، وأن يبرموا اتفاقية تحالف مع لندن، وأن يمنحوا الشركات البريطانية حقوقا حصرية لا حدود لها.

علم الفرنسيون بالاجتماع ومحتواه في الشهر التالي، وحذر ممثلو السلطات الفرنسية في الشام باريس من خطر انتفاضة محتملة في المنطقة، خاصة إذا قام البريطانيون بتسليحها.

سبيرز كان وعد الوطنيين السوريين بنحو 7 آلاف بندقية وعدة مئات من المدافع الرشاشة إذا دعت الضرورة.

باريس ضغطت بشدة، وسربت إلى وسائل الإعلام المشروع البريطاني لإقامة دولة “سوريا الكبرى”، وطالبت لندن بتنحية إدوارد سبيرز من منصبه.

كل ذلك كان يجري قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، وما كان من تشرشل إلا الاتفاق مع وزير خارجيته أنتوني إيدن على التكتم حول تلك الفضيحة وتهدئة خواطر الفرنسيين، وطرد سبيرز من منصبه ممثلا لبريطانيا في الشام.

وهكذا نجحت فرنسا، بنهاية عام 1944 في المحافظة على مصالحها في الشام، وتخلصت من مشاكسات بريطانيا لها، وحصلت على تأكيدات بريطانية على بقاء سوريا ولبنان في مجال مصالحها حصريا، إلا ان كل ذلك كان ظاهريا فقط كما أظهرت التطورات على الأرض لاحقا.

القوات الفرنسية وصلت إلى بيروت في 17 مايو 1945 لاستعادة نفوذها في الشام، وجرى قصف البرلمان السوري، ومحاولة اعتقال قادة الحكومة السورية في دمشق.

في تلك الأثناء، طالب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في 31 مايو 1945 بوقف إطلاق النار، ووصل الأمر بلندن إلى الضغط بشدة لحد تهديد قائد القوات البريطانية في بلاد الشام، الجنرال برنارد باجيت، بالتدخل العسكري المباشر، فتراجع الجنرال شارل ديغول.

قتل في القصف الفرنسي لعدة أحياء في دمشق ما يصل إلى 800 من المدنيين بحسب إحدى الروايات، وتم تدمير مبنى البرلمان السوري بالكامل، ولحقت أضرار كبيرة بالمدينة القديمة، ودخل البريطانيون دمشق في 31 مايو 1944، وفرضوا حظرا على تجول العسكريين الفرنسيين، وأجبروا على العودة إلى ثكناتهم.

إثر ذلك، رفض السوريون التعامل مع فرنسا بشكل تام، وامتنعوا عن التفاوض معها، وقال الرئيس السوري حينها شكري القوتلي في كلمة للشعب السوري بعد عمليات القصف الفرنسية: “جيل كامل من السوريين لن يقبل أبدا أن يسير فرنسي واحد على الأقل في شوارعنا”.

رضخت الحكومة الفرنسية لإرادة السوريين في تلك الظروف الدولية المناسبة مع التنافس المحموم بين القوتين “الاستعماريتين” فرنسا وبريطانيا، فأعلنت باريس في 1 أغسطس نقل قيادة الجيش السوري إلى الجمهورية السورية، وحصلت البلاد على استقلالها باكتمال انسحاب القوات الفرنسية في 17 أبريل 1946.

تفاصيل أخرى عن عدوان 29 أيار 1945

ما ذكرته روسيا اليوم في تقريرها الجذاب هو جانب من المشهد العام، ولكن في الواقع هناك جوانب أخرى تعطينا صورة أوسع لمشهد ذلك العدوان الاجرامي الذي شنته فرنسا على البرلمان وعلى مدينة دمشق ككل، على شعبها ومؤسساتها ومختلف المرافق، وارتكب الجيش الفرنسي الكثير من الجرائم التي تشبه إلى حدٍّ كبير تلك الجرائم التي ارتكبها الارهابيون في سورية خلال الاثنتي عشر سنة الأخيرة لجهة استخدام السواطير والتمثيل بجثث الشهداء بكل وحشية.

ففي تمام الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 29 أيار 1945، وجه الجنرال روجيه إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي يهدده فيه بانتقام فرنسا من المواطنين السوريين الذين يعتدون على الجنود الفرنسيين، ويطلب إليه أن تقوم قوات الشرطة والدرك السورية المرابطة حول المجلس بتحية العلم الفرنسي عند إنزاله في المساء عن دار أركان الحرب الفرنسية المواجهة للمجلس. وكان عدد قليل من النواب قد جاؤوا لحضور جلسة البرلمان ولما لم يكتمل النصاب طلب رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري من النواب الانصراف، وقد ألغيت جلسة مجلس النواب في تمام الساعة الخامسة من بعد ظهر اليوم نفسه، وكذلك انصرف الوزراء الذين حضروا إلى المجلس.

وتقول المصادر التاريخية أن الحكومة الوطنية عقدت اجتماعاً سرياً طارئاً في منزل أحد الوزراء لبحث الوضع، بعد أن طوقت المصفحات الفرنسية دار الحكومة والمجلس النيابي، وكانت حشود من جماهير دمشق قد خرجت إلى الشوارع للإعراب عن غضبها على التصرفات الفرنسية في محاولة لفك الحصار عن المجلس النيابي، فوجدت نفسها في مواجهة القوات الفرنسية.

وقد رفضت حامية مبنى المجلس النيابي (البرلمان) أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء إنزاله من على ساريته في دار الأركان الفرنسية الذي يقع في مقابل مبنى المجلس، بعد أن تلقى قائدهم مفوض الشرطة سعيد القهوجي أمراً بالرفض من رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري، فاتخذ الفرنسيون ذلك ذريعة لمهاجمة حامية البرلمان، مستخدمين قوات السنغال، المزودة بالأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات.

في تمام الساعة السادسة وخمسين دقيقة فتح جنود الحامية الفرنسية المرابطون في شارع النصر النار على المواطنين الذين خرجوا في مظاهرات احتجاجية، وفي نفس اللحظة دوى صوت القنابل وطلقات الرصاص وهي تنطلق من دار الأركان الفرنسية تجاه البرلمان، ولم يطل الوقت حتى كانت جميع المراكز الفرنسية في دمشق تشارك في إطلاق الرصاص والقنابل، فيما تقدمت المدرعات الفرنسية لتوجه نيرانها باتجاه مبنى البرلمان بكامل قوتها، بينما راح رجال الدرك السوري ورجال الشرطة يدافعون عن البرلمان وراء متاريسهم، وشرعوا في مقاومة ضارية لوقف تقدم القوات الفرنسية، معتمدين على أسلحتهم المتواضعة، رافضين الاستسلام لقوات المستعمر، ومدفوعين بحب الوطن والدفاع عن عزته وكرامته،

 

ولم يمر وقتاً طويلاً حتى أخذت ذخيرة المقاومين تنفذ، والخسائر بين صفوفهم تزداد، وهم يقاتلون في مواجهة آلة عسكرية تفوقهم قدرة على نحو كبير، واستمروا بالقتال حتى نفذت ذخيرتهم، عندها اقتحمت القوات الفرنسية مبنى البرلمان لتنفذ أبشع جرائمها الوحشية، بتمزيق أجساد الناجين من المقاومين بالسواطير والحراب، والتمثيل بجثث من استشهدوا، ومن بين المدافعين الذين كان عددهم ثلاثين مقاوماً، استشهد ثمانية وعشرون، وبقي اثنان من عناصر أمن المجلس النيابي، هما شهير الشراباتي – أو الترياقي – وإحسان بهاء الدين اللذان استطاعا الفرار والنجاة من الموت المحقق بأعجوبة، بالإضافة إلى الشرطيين إبراهيم الشلاح ومحمد مدور، اللذين تظاهرا بالموت بعد أن رميا نفسيهما بين القتلى، ليصبحا الشهيدين الحيّين، وليرويا فيما بعد وقائع هذه المجزرة الرهيبة، (كما يذكر أبناء عائلة برنية أن شقيق الشهيد عبد النبي برنية – محمد برنية – كان موجوداً وتعرض لنفس المعاملة، ولكن الله كتب له النجاة وأصبح مختاراً لحي برنية فيما بعد). وقد تم التمثيل بأجساد الشهداء أشنع تمثيل وشوهدت بعض الجثث بلا آذان وبعضها مقطعة الأيدي وبعضها مفقودة العينين كما شوهدت آثار السواطير على أجسامهم بشكل تقشعر له الأبدان.