جديد 4E

(الزير والبير)

 

علي محمود جديد :

على الرغم من أهمية وضع خطّة استراتيجية للقيام بترميم وإطلاق القطاع العام الصناعي وتطويره للوصول به إلى مرحلة جديدة من إعادة الهيكلة والبناء والتطوير ليكون رافعة من الروافع الاقتصادية ودافعاً أساسياً لقاطرات الاقتصاد الوطني، فإن أي حديث من هذا القبيل يُثير الكثير من الأسئلة، بمقدار الضرورة القصوى لمثل تلك الاستراتيجية فعلاً، والتي تسرّبت بعض الأنباء عن قيام وزير الصناعة الدكتور المهندس عبد القادر جوخدار بإعدادها حالياً.

لماذا الأسئلة بمقابل الضرورة الكبرى لوجود استراتيجية حقيقية تُشكل حالة إنقاذية تشمل القطاع العام الصناعي المنهك والمطوّق بالعثرات والمشكلات .. والنواقص والقيود، وبالفساد أحياناً ..؟

الريبة تنبع في الحقيقة من وجود استراتيجيات كثيرة مشابهة ومهدورة سبق وأن مرّت على رأس وزارة الصناعة، وكان قد خطّها العديد من وزراء الصناعة السابقين، ولكن كلها ذهبت أدراج الرياح، فكل وزير يأتي يقوم – على الأغلب – بإبراز خططه الاستراتيجية، فيقوم بإلغاء كلّ توجهات الوزير السابق، وما قام بوضعه من خطط ليقوم هو بوضع خطط أخرى، وكأنه يعيد اختراع الدولاب.

فالدولاب مُخترع، ومُشبع فحصاً وتمحيصاً وتجريباً، ولا داعي لبذل أي مجهود إضافي لاختراعه، علينا أن نُحسن استخدامه فقط، ولكن أمام غياب ضمان التنفيذ، وأمام عدم وجود الآليّة الحاسمة التي تجعل تلك الخطط مطبقة على الأرض في إطار برنامج زمني واضح، بالتزامن مع برنامج مالي غير قابل للتأجيل، بقيت تلك الخطط خاضعة لأمزجة الوزراء، ولإعادة الاختراع، فكل واحد منهم يريد أن ( يشيل الزير من البير ) بمفرده، غير أن الزير ثقيل والبئر عميق، ولا بدّ من روافع قادرة على الإنقاذ، ولا تتوقف بتبدل الأشخاص، بل تتابع عملها ضمن البرنامجين إلى أن يصير الزير أمامنا رغماً عن وحشة البير وعمقه.

لا نريد تثبيط همّة الوزير، بل على العكس، ولكن أمام حالات الفشل والنّسف والإلغاء لمجمل الخطط السابقة، وهي لا تمتدّ لسنة أو سنتين أو ثلاثة، وإنما على مدى عشرات السنين، فيما القطاع العام الصناعي يترنّح بلا فائدة، بل يزداد بؤساً، وتتراكم عليه المصاعب، إلى أن جاءت الحرب ليزداد بها دماراً وتخريباً، ولتزداد مسؤولية إعادته إلى ما كان عليه وإنعاشه أضعاف ما كانت عليه، فأمام هذا الواقع المؤلم لا بدّ من العمل على ضمان تنفيذ خطّة الإنعاش، سواء كانت استراتيجية على المدى البعيد، أم تكتيكية وإسعافية على المدى القريب، وإلاّ فنحن والقطاع العام الصناعي أمام جولة جديدة من هدر الجهود والوقت والامكانيات بلا طائل، لأن الوزير القادم لن يعترف – كما عودتنا السنين والتجارب الفاشلة – بهذه الخطّة التي يجري إعدادها حالياً مهما بلغت من الحذاقة والمهارة، فسوف ينسفها ويلغيها ليعيد الاختراع مجدّداً من منظوره، أي مثلما يفعل الدكتور جوخدار اليوم.

نحن نتمنى من أعماقنا للدكتور جوخدار التوفيق والنجاح فيما هو ذاهبٌ إليه بهذا المجال، وأن يخرج بخطة بارعة لإصلاح القطاع العام الصناعي وترميمه وإنعاشه، واستعادة مركزه ودوره وكرامته، وكرامة العاملين فيه، وإعطائه دفقاً من المرونة وسلاسة التحرك، ولكن هذا لن يتم إلاّ بوجود ما يضمن استمرار التنفيذ بلا انقطاع، والضامن القوي لذلك هو إيجاد تغطية تشريعية تُلزم الجميع بتنفيذ تلك الخطّة في إطار البرامج المحددة، مهما تعددت المتغيرات والتبدلات، وإلاّ فلا داعي فعلاً لهدر المزيد من الوقت والجهود الضائعة سلفاً.

صحيفة الثورة – على الملأ – 7 أيار 2023م