جبران خليل جبران :
يا عيونا تسقي العيون الرحيقا
واصلي مدمنا أبى أن يفيقا
***
أسكريني على الدوام وأفني
مهجتي أدمعا وعزمي حريقا
***
تلك خمر الحياة من لم يذقها
مرة ليس بالحياة خليقا
***
وهي حسن الحياة سعدا وبؤسا
واصطباحا لشربها وغبوقا
***
أنت يا من سقت فؤادي منها
حر وجد ولوعة وخفوقا
***
إظلميني ما شاء ظلمك وانهي
آمر الحسن أن يكون شفيقا
***
عذبيني فقد جنيت على نفسي
وأمسيت بالعقاب حقيقا
***
فلهذا العقاب عاودت حبي
ولألقاه خنت عهدا وثيقا
***
رب ليل محير الندم غض
فيه لا يهتدي الضلول طريقا
***
ضمني مثقلا بهمي كبحر
ضم في جوفه البعيد غريقا
***
أحسب السرج في حشاه قروحا
وأرى الشهب في سماه حروقا
***
فيه نامت سعاد نوما هنيئا
وتسهدت مستهاما مشوقا
***
حيمثا وارتني دجاه غروبا
أبصرتني عين الصباح شروقا
***
قد تلقيته وكان كثيفا
ثم ودعته وكان رقيقا
***
رق فانحل فانتفى غير مبق
لي منه إلا خيالا دقيقا
***
ظل في جانبي نحيلا نحولي
كالشقيق الأبر يرعى شقيقا
***
أيها النائمون يهنيكم النوم
ولا زال حظي التأريقا
***
إن يك الساهرون مثلي كثيرا
فسعاد أسمى وأسنى عشيقا
***
فاتني من جمالها الوجه طلقا
لا يباهى والقد لدنا رشيقا
***
فاتني عقلها الذي يبدع الخاطر
روحا وهيكلا وعروقا
***
فاتني نظمها القريض فما تنظم
عقدا في جيدها منسوقا
***
فاتني لطفها الذي ينعش الوجد
ولو شاء أنعش التوفيقا
***
ويقيم الآمال في النفس كالنور
يحيل البذور زهرا أنيقا
***
فتن قيدت بهن فؤادي
وأراني إذا شكوت عقوقا
***
كل مستأسر يود انطلاقا
وشقائي بأن أكون طليقا