جديد 4E

يحيى زيدو:لا يحق لمن جعل الخبز يباع بالبطاقة الذكية قراءة هذا المنشور

القمح والخبز .. قداسة العلاقة مع الحياة

لا يحق لمن جعل “الخبز” مادة تباع بموجب البطاقة الذكية قراءة هذا المنشور .. لأنه

(ناكر للخبز والملح وعدو للحياة)

…………………………………….

كتبَ : يحيى زيدو

“على هذه الأرض ما يستحق الحياة…رائحة الخبز في الفجر..”.

هكذا أنشد الراحل محمود درويش..

للخبز في الفجر رائحةٌ إلهيَّةٌ..

لعلَّها تشبه رائحة الأرض بعد المطر الأول..

رائحة الأم في ذاكرة طفلها الذي سيكبر لينسى ما ينسى

لكنه سيبقى يتذكّر رائحة أمّه.

للخبز رائحة الأب و هو يزرع قمحه و يسقيه من روحه..

و للرغيف قداسته

فرغيف الخبز لا يُرمى و لا يُداس بل يُقبَّل كما الكتاب المقدّس..

و حين لا يكون صالحاً للبشر يوضّع في مكانٍ عالٍ لتأكله الطيور..

للخبز نكهة و رمزية..

له رمزية الوفاء (بيننا خبز و ملح)..

ورمزية الإدانة لمن (أنكر الخبز و الملح)..

و رمزية الدعوة للمرح بإظهار التأفُّف من شخصٍ (لا يضحك لرغيف الخبز)..

و هو رمز الكرم (إنّك لا تستطيع أن تأكل أكثر من حاجتك. فإنَّ نصف الرغيف الذي لا تأكله يخصّ الشخص الآخر.. قليلٌ من الخبز لضيفٍ ربما يمرّ بك على غير انتظار)،كما يقول جبران خليل جبران.

لا موائد بلا خبز.. فالرغيف هو أبو اللقمة الطيبة..

السوريون لهم قصةٌ مع القمح الذي منه يُصنع الخبز منذ آلاف السنين…

إله القمح (داجون) أو (دجن) و معناه (الحنطة) هو والد الإله بعل و كان يُلقّب (بعل يم) أي سيّد البحار، هو إله سوري بامتياز..

وكان دجن من أهم آلهة البانثيون (مجمع اﻵلهة) في إيبلا..فهو كان رئيسها وسيد اﻵلهة وسيد النجوم واﻹله الحاكم

و هو يوازي (بوسيدون) عند اليونان الذي هو إله سوري في الأصل، وكذلك (نبتون) عند الرومان.

واسم دجن مشتق من كلمة دج..داج اﻷوغاريتية الكنعانية

وتعني الحنطة…القمح.. الحبوب.. ويكتب بحروف ساكنة دجن..

ويلفظ باﻵكادية داجان..داجونا..دوجان..

علاقة الخبز بالحياة على درجة من العمق دفعت الشعوب البدائية لتنسج منها أساطير خرافية جعلتها تُشبّه عملية العجين برحم المرأة الحامل الذي يكبر شيئاً فشيئاً إلى أن ينضج فيقدم الحياة..

تماماً كما العجين الذي يرتفع بالخميرة إلى أن يصبح جاهزاً ليُخبز ويؤكل.

وفي الأسطورة الرومانية أنّ النساء كنّ يقفن أمام المعجن، ويقلدن أوجاع الولادة وانقباضات الرحم المؤلمة أملاً في أن يرتفع العجين ويتخمر.

حبّة القمح التي تموت هي التي تنتج الحياة من جديد

“أنا حَبَّةُ القمح التي ماتت لكي تَخْضَرَّ ثانيةً…

وفي موتي حياةٌ ما”، كما قال درويش

و من رمزية موت حبة القمح و حياتها مرة أخرى نُسِجَت أساطير الموت والحياة والتجدُّد والخلق..

للقمح بركته..

ما زال كثيرون من فلاحي الساحل السوري يصنعون، في موسم الحصاد، (مشط القمح) ليُعَلَّق في البيت، و يكون بمثابة تقويم مبارك لعدد أفراد البيت، وأعمارهم ، و مواسمهم الأخرى.

للقمح نكهة الحب..

وحميمية العلاقة بين الإنسان و الإله..

بين القمح و الخبز علاقة رحمية كعلاقة الأم و الابن..

القمح إنسان و حياة.

طوبى لِمَنْ يأكل رغيفه من عرق جبينه فيبني إنساناً وينتج حياة.

………………………………………………………………………..

لا يحق لمن جعل “الخبز” مادة تباع بموجب البطاقة الذكية قراءة هذا المنشور

لأنه (ناكر للخبز والملح وعدو للحياة).