جديد 4E

بلد العميان..

أحمد عجيب

من أروع قصص الأدب العالمي، للكاتب (هـيربرت. ج. ويلز)

هي قصة خيالية يحدّثنا فيها المؤلف عن مرض غريب، انتشر في قرية نائية معزولة عن العالم تقع في جبال الأنديز، فأصاب المرض سكان القرية بالعمى.

ومنذ تلك اللحظة، انقطعت صلتهم بالعالم، ولم يغادروا قريتهم قط، فتكيفوا مع العمى وأنجبوا أبناء عُميان، جيلاً بعد جيل، حتى أصبح كل سكان القرية من العميان، ولم يكن بينهم مبصر واحد..

وذات يوم، وبينما كان متسلق الجبال “نيونز” يمارس هوايته، انزلقت قدمه، فسقط من أعلى القمة إلى القرية، لم يُصب “نيونز” بأذى إذ سقط على عروش أشجار القرية الثلجية.

وأول ملاحظة له كانت أنّ البيوت بدون نوافذ، وأن جدرانها مطلية بألوان صارخة، وبطريقة فوضوية.. فحدّث نفسه قائلاً: لا بُدّ أن الذي بنى هذه البيوت شخص أعمى.

وعندما توغل إلى وسط القرية، بدأ في مناداة الناس، فلاحظ أنهم يمرون بالقرب منه ولا أحد يلتفت إليه، هنا عرف “نيونز” أنه في (بلد العُميان).

فذهب إلى مجموعة من أهل القرية، وبدأ يعرفهم بنفسه: من هو…؟ وماهي الظروف التي أوصلته إلى قريتهم…؟ وكيف أن الناس في بلده (يبصرون) …؟

وما إن نطق بهذه الكلمة حتى انهالت عليه الأسئلة: ما معنى يبصرون؟ وكيف؟ وبأي طريقة يبصر الناس؟ سخر القوم منه، وبدأوا يقهقهون.

بل ووصلوا إلى أبعد من ذلك، حين اتهموه بالجنون، وقرر بعضهم إزالة عيون “نيونز”، فقد اعتبروها مصدر هذيانه وجنونه.

لم ينجح بطل القصة “نيونز” في شرح معنى البصر، فكيف يفهم من لا يبصر معنى البصر؟ فهرب قبل أن يقتلعوا عينيه، وهو يتساءل: كيف يصبح العمى صحيحاً، بينما البصر مرضاً!!؟؟

“بلد العميان” هو: كل مجتمع يسوده الجهل والفوضى والفساد والتخلف والفقر والعنف والتعصب بسبب أفكار غير صالحة ومُهيمنة عليه، وأي دعوة تنويرية تواجه برفض وريبة وعنف..

بلد العميان هذا، هو كل مجتمع تسوده اللامسوؤلية، وكره الآخر، والتبرير لإيصال الأذى.

بلد العميان هو ذلك المجتمع الذي يوجد فيه تجار ضعاف نفوس جل همهم ماذا يأخذون منه …؟ لا ماذا يقدمون له.

بلد العميان هو كل مجتمع فيه أفراد مستهترون لا يَعوُنَ الخطر المحدق بهم ويحاولون الاستهزاء بكل شيء ويتجاوزون القانون.

بلد العميان هو المجتمع الذي يكون فيه متنفّذوه لصوصاً يسرقون وطنهم ولا يؤدّون واجبهم تجاهه.

بلد العميان هو كل مجتمع ينسى فيه مسؤولوه ضميرهم وأخلاقهم تبعاً لمصالحهم ولأهوائهم وينسوا أن واجبهم دعم غيرهم ليصلوا كما هم وصلوا، فليس هناك شيء باق لهم إلى ما لا نهاية.