جديد 4E

العيون على الاقتصاد

علي محمود جديد

مثلما أدرك الإرهابيون ومشغلوهم خلال الحرب الإجرامية الفظيعة التي تُشنُّ على بلادنا بأن المنجزات التي حققتها سورية على الصعيد الاقتصادي لن تكون إلاّ عائقاً كبيراً أمام تحقيق أهدافهم الإجرامية، فعمدوا بكلّ ما يمتلكون من القوة والوحشية إلى تخريب وتدمير المرافق الإنتاجية والاقتصادية بشكل عام، من أجل تحييد دورها وشللها كي لا تستمر في مدِّ المجتمع السوري باحتياجاته وقوته، وكي يزداد الضغط عليه تمهيداً لإضعافه وخروجه عن طوره وانصياعه لإرادة القوى الضاغطة، بعد أن يكون قد تخلّى عن إرادته الوطنية غصباً واضطراراً.

وعلى الرغم من كلّ الآلام التي تواجه أبناء الشعب في سورية جراء ذلك التخريب في البنية الاقتصادية وما تبع ذلك من عقوبات وحصار لا يزال مستمراً، وعلى الرغم من الاستفزازات التي يبديها الكثير من الفاسدين الذين لا يبالون بما حصل لبلادهم، وظل همهم الأساسي استغلال هذه الظروف الصعبة لتجميع الثروات الباهظة على حساب الدولة والشعب وحياته المعيشية.

على الرغم من هذا كلّه أثبت الشعب السوري قدرته الفائقة على التحمّل والصبر، عاكساً بذلك وعيه الكبير القابع في أعماقه لحقيقة ما يجري، ولذلك نرى حتى الذين يتأثرون بهدير محركات التحريض الخارجي المعادي، ويطلقون بعض العبارات الاستهزائية من مفهوم الصمود، نراهم صامدين فعلاً ولا يبالون بذلك التحريض إلاّ بشكل عابر جداً.

إذاً مثلما أدرك الارهابيون ومشغلوهم ذلك فخربوا ودمروا المرافق الاقتصادية والإنتاجية، كان الاستعمار الفرنسي البغيض أثناء احتلاله لسورية يدرك تماماً أن من أهم أسباب خضوع البلاد وشعبها له يتمثل بمنع إحداث وتطوير أي مرافق اقتصادية سواء كانت صناعية أم تجارية أم زراعية أم مصرفية .. وما إلى ذلك، إلاّ بما يخدم مصلحة الاقتصاد الفرنسي، فسلطة الانتداب لم تعمل إطلاقاً على إرساء قواعد التنمية الاقتصادية في سورية، فلم تلحظ في موازناتها العامة أي إنفاق لإقامة مشاريع تنموية، وقامت في تلك الأثناء بهيكلة التجارة والنظام المصرفي بحيث تضمن تشجيع التجارة مع فرنسا حصراً لخدمة الأهداف الاقتصادية والتنموية للامبراطورية التجارية الفرنسية، كما لم تعمل تلك السلطة على حماية الصناعات الوطنية الناشئة التي لم تستطع أن تتسع وتتطور إلا ببطء شديد نتيجة إجراءات فرنسية مُعرقلة لها، إضافة إلى إهمال القطاع الزراعي بكلّ جوانبه واقتصار التركيز فيه على المواسم التي من شأنها خدمة المصالح الفرنسية، فركزت – مثلاً – على تشجيع إنتاج التبغ والحرير الطبيعي، كي تنافس الاقتصادات الأخرى بهذين المنتجين.

فتخريب وسرقة وتدمير البنى الاقتصادية التي كانت من أبرز الأعمال الإرهابية، ومنع وعرقلة إقامة البنى الاقتصادية التي كانت من أبرز سياسات سلطة الانتداب الفرنسي على سورية، هما وجهان لعملة واحدة تؤكد أن الاقتصاد هو بوابة النهوض وتحقيق التطور ورفاه الشعوب، ومثلما كان الجلاء هو الطريق لتحقيق أهدافنا التنموية وتشكيل اقتصادنا الوطني واستثمار خيرات وطاقات الوطن، فنحن اليوم بحاجة إلى جلاء جديد يعيد تلك الطاقات التنموية المهدورة إلى سكّتها الصحيحة وبحاجة إلى الكثير من شدّ الهمم والتخلّي عن التراخي الذي يضرب أطنابه في أنحاء البلاد، فالعيون على الاقتصاد .. وعلينا أن لا نستسهل ونشيح الطرف عنه.

صحيفة الثورة – زاوية ( على الملأ ) 17 نيسان / ابريل 2022م