جديد 4E

للإنصاف

علي محمود جديد :

وضعُنا المعيشي صعب جداً بكل تأكيد، وقد تراجعت الأحوال عما كانت عليه كثيراً نتيجة ارتفاع الأسعار اللامعقول، فلا يكاد يمرّ علينا صباح إلاّ ونصطدم بأسعار جديدة أعلى، تزيد من المعاناة والمآسي عند أغلب الناس.

هذا واقع لا يمكن لأحدٍ إغفاله، إلاّ إن كان غير منصف، ولا ندري لماذا يعمد الكثيرون إغفال أشياء أخرى ونسيانها أحياناً، وأحياناً تناسيها، واستسهال التعتيم عليها، وصولاً إلى عدم الانصاف..؟!

لا أريد أن أتفلسف عليكم ولا أن أنظّر على أحد، ولكن ثمة خطأ واقع والكثيرون ماضون فيه بلا تردد، فلا بد من محاولة الايضاح، حتى وإن بدت هذه المحاولة فلسفة مزعجة على البعض أو ربما على الكثيرين، لاسيما وأن الجميع يدرك هذا الخطأ ومع هذا هناك من يشيح الطرف عنه عامداً أو غير عامد.

الانصاف هو – كما نعلم جميعاً – مرادف لمفهوم العدالة، والعدالة فضيلة متكاملة لا تقبل القسمة ولا التجزئة، فأن أكون منصفاً هنا وغير منصف هناك فهذا لا يعني أنني نصف عادل، بل يعني أنني ظالم وغير منصف.

الفضائل لا تقبل أي تشويه ولا تلوث مثلما لا تقبل التجزئة لأن التلوث الذي يصيبها يلغيها تماماً، فالذي يتحدث حديثاً صادقاً هنا، ثم يتحدث حديثاً كاذباً هناك فهو كاذب، لأن الصدق مطلوب دائماً أخلاقياً بمفهومه النظيف، والكذب مرفوض دائماً أخلاقياً بمفهومه الملوّث.. وكذلك العدالة والانصاف مطلوبة دائماً والظلم مرفوض.

ما أريد الوصول إليه هو أننا إذا أردنا أن نكون منصفين، علينا أن ننظر إلى واقعنا كما هو فعلياً .. لا كما يحلو للبعض منّا، يُنقصون شيئاً ويزيدون شيئاً، يحذفون أمراً واقعياً ويبرزون أمراً واقعياً آخر ..!

هكذا ستبدو الصورة مشوّهة، مثلما بدت في هذه الأيام عند إصدار المراسيم بزيادة الرواتب والأجور وزيادة التعويضات، التي واجهها الكثيرون بانتقادات لاذعة وأنها غير كافية تجاه الوضع المعيشي المتردي، وصحيح هي غير كافية ولكن إن كان من العدالة والانصاف أن نتحدث عن صعوبة الحياة المعيشية والارتفاعات الفظيعة للأسعار، فمن العدالة والانصاف أيضاً أن نتحدث عن المحاولات الصادقة لتحسين هذا الوضع وأن لا ننسى ذلك ولا نتناساه، ولكن مع الأسف غابت هذه المحاولات عن التداول ولا سيما عبر العالم الافتراضي الأزرق، وهذا أمر لا يمتّ إلى العدالة بصلة ولا إلى الانصاف.

الوقائع تقول بأن هناك محاولات عديدة لتحسين الأوضاع ربما كان أبرزها في هذا العام خمس محطات:

الأولى في 16 آذار عندما تقرر صرف منحة / 50 / ألف ليرة للعاملين في الدولة والعسكريين، و / 40 / ألف ليرة للمتقاعدين.

الثانية في 8 أيار بصرف منحة مماثلة.

الثالثة في 11 تموز بزيادة 50% على الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والعسكريين، و 40% للمتقاعدين.

الرابعة كانت هذه الزيادة الأخيرة 30% للعاملين والعسكريين و 25% للمتقاعدين.

الخامسة ما ترافق مع هذه الزيادة باحتساب التعويضات على الراتب الحالي.

هذه وقائع حصلت ونُفّذت على الرغم من الحرب والحصار والعقوبات المفروضة على بلادنا، وليس صحيحاً أن الحرب والحصار والعقوبات هي شمّاعة جاهزة للتبريرات .. لا أبداً هي واقع قائم يُمارَسُ علينا فعلياً، بل هي حرب اقتصادية شرسة تُشنُّ على بلادنا، ولن نكون منصفين إطلاقاً إن لم نعترف بالواقع كما هو، حريٌّ بنا أن نعترف، وكان حريٌّ بنا أكثر أن نقول لا بأس .. وشكراً لكل من يحاول أن يتقدّم بنا ولو خطوة نحو وضعٍ أفضل.