جديد 4E

إلاّ الكاجو ..

 

منع الاستيراد في مختبر التقييم

 

علي محمود جديد :

تخيّلوا أن نقف مدافعين يوماً عن ضرورة وأهمية وجود ( الكاجو ) في حياتنا وأننا غير قادرين عن الاستغناء عنه حتى في مثل هذه الظروف العصيبة التي تحيط بنا من حرب وحصار وعقوبات ومضاربات ونهب للثروات وبحث مستميت عن أي باب يمكن أن يؤذينا.. ومع هذا نريد كاجو ..

في الواقع للوهلة الأولى يبدو هذا الأمر مضحكاً، ولكن المعلوم أن الجوز واللوز والكاجو والزبيب والتمور – وهي مواد أوقف استيرادها مؤخراً لستة أشهر – لها استخداماتها وتدخل في بعض الصناعات الغذائية الشعبية واللاشعبية، أو بالأصح كادت كلّها تصير لا شعبية في هذه الظروف المعيشية الحرجة، فحتى (المكدوس)الذي يدخل فيه الجوز كعنصر أساسي في تحضيره، والذي كان من أكثر الصناعات الغذائية المنزلية شعبية لم يعد شعبياً، أو على الأقل تراجع كثيراً في شعبيته لزيادة تكاليفه بعد ارتفاع أسعار مكوّناته الأساسية من الجوز والثوم والزيت كما أن الفليفلة لم يعد سعرها مناسباً، واليوم ربما يكون قد تمّ تحييده من أمام ما تبقى من الشرائح الشعبية التي كان بإمكانها أن تحضر ولو قليلاً منه، إذ بدا باهتاً في هذه الأيام – وهي أيامه – بعد دخول الجوز في قائمة منع الاستيراد فارتفعت أسعاره عما هي مرتفعة أصلاً.

أما بالنسبة للوز والكاجو والزبيب والتمر فهي مواد لا حاجة للشعب بها وهو- أساساً -لا يتعاطى معها إلا نادراً، فلا مشكلة بإيقاف استيرادها إن كانت تشكّل استنزافاً للقطع الأجنبي فعلاً وفي مثل ظروفنا الصعبة هذه، وربما أغلب الناس يرون أنّ لا داعي لمثل هذه المواد من أساسها أصلاً، ولن يُصابوا بالحرمان أكثر مما هم مصابون إن تراجعت هذه المواد من أمامهم أو حتى إن اختفت.

ولكن دعونا نقف في مكانٍ آخر – وإن كان غير مكاننا – لنسأل :

هل تمت بالفعل دراسة منعكسات وقف استيراد هذه المواد بشكل اقتصادي مُعمّق، وبعيداً عن أي منحى ترفيهي.. وانتهت الدراسة إلى أن هذا الاستيراد يستنزف القطع الأجنبي فعلاً..؟

طبعاً كالعادة تلقينا القرار كنتيجة مجهولة دون أي أدلّة تحكي عن حجم استيراد هذه المواد مثلاً وكيفية استهلاكها.

ثمة مؤشرات اليوم ظهرت – بعد منع الاستيراد – تكاد تجزم أن هذا المنع نفسه سوف يؤدي إلى استنزافٍ أكبر – غير مباشر – للقطع الأجنبي من خلال تعطيل بعض الصناعات الغذائية التي تدخل بها هذه المواد ولها سوق رائج في الخارج وقابلة للتصدير، أي أنها تساهم عملياً في خلق قيمٍ مضافة تؤدي إلى الحصول على قطع أجنبي ناجم عن التصدير، وهو أكثر بكثير من ذلك القطع الأجنبي المدفوع الناجم عن الاستيراد.

إن كان الأمر كذلك فإن هذه المواد تصير مثلها مثل وسائل الإنتاج، وغيابها ينعكس على السلاسل اللاحقة والعاملة معها، فهناك العديد من أصناف الحلويات تدخل بها هذه المواد، هناك أيضاً صناعة العسل بالمكسرات، وإضافة الجوز للتمور، واللوز لحبات المشمش المجفف والعديد من الصناعات الغذائية الأخرى تعتمد على هذه المواد وهي كلّها قابلة للتصدير.

إن كان الأمر كذلك ليس عيباً أن نعيد دراسة القرار ونضع هذه الأمور كلّها في مختبر التقييم لتحديد حجم الاستيراد وحجم التصدير الممكن للمواد التي تدخل بها هذه المكونات، ثم نجمع ونطرح ونقسّم وصولاً إلى نتيجة موضوعية سليمة، فإن كانت نتائج الاستيراد هي الأسوأ فلنعدل عنه، وإن كان هو الأفضل على بيّنة فكلّنا معه ..

 

صحيفة الثورة – زاوية ( على الملأ ) 22 آب / أغسطس 2021م