جديد 4E

صفقة ورزمة أهداف

 

*علي نصر الله:

الحدثُ الأفغاني، ولوقت طويل سيَبقى البؤرة والعنوان لمَجرى أحداث وحروب وصراعات ستتجاوز مَفاعيلها وتداعياتها وسط آسيا وشرقها، بل سيكون الحدث المُتفجر على امتداد أوراسي سيُفرز تحديات تُرجح احتمالات تفجر حروب كبرى، وتجعلها أقرب إلى حَتميات لا مفرَّ منها، ذلك أن ما جرى هناك لم يكن ولادة قيصرية اضطرارية أو مُفاجئة، وإنما هو مُخطط رُتِّبَ له بهدوء في الدوحة، وبأفق منظور يَخلق لواشنطن بدائل تَستنزف الخصوم ربما لعقود طويلة.

في التوصيف، ذهب كثيرون لمَقولات مُتعددة منها: الهزيمة بمقابل الانتصار، والإخفاق بمقابل النجاح، فيما الأمر لا يتجاوز حدود الصفقة التي تَفضحها الوقائع المُتسارعة والتصريحات المرفوضة ومُحاولات تجميل القبيح والأكثر قبحاً، فما جرى هو تسليم واستلام بين واشنطن وحركة دَرّبتها القوات الأميركية المُحتلة ولم تَجتثها كما كانت تَدعي قبل عشرين عاماً!.

قراءةُ اتفاق الدوحة، الخوضُ في تفاصيله، بدءاً من ترتيبات عودة طالبان وسط صراعات قبلية إثنية مذهبية ما زالت تُهدد بلداً مَزقته الحروب، انتهاء بما يُسمى الضمانات القطرية، وحدها القراءة التي من شأنها أن تَجدَ تفسيراً لخروج أميركي لا يُحدث فراغاً يُحرض أو يَدفع هذا الطرف أو ذاك لمَلئه، إذ ما من فراغ وقع مع الصفقة التي تُربك أطراف المنطقة بهذه الأثناء وتُهدد دول الجوار بالمقدمة منها روسيا، الصين، وإيران.

طالبان تتعاون، هذا ما تقوله أميركا. طالبان لم تتعرض للمصالح الأميركية، تَسمح للأميركيين بالمُغادرة، لا تَقترب من الجنود الأميركيين الذين يَحزمون أمتعتهم، تتسلم القواعد والسلاح والعتاد والسلطة، ويُحاول الإعلام الأميركي الغربي والآخر المُلتحق به تَجميل صورة الحركة، فهل تَغيرت فعلاً؟ أم هناك من يُقدمها بصورة مُغايرة لتكون ورقة جديدة في ملف قديم تتطلع واشنطن لفتحه على نحو مُختلف وسط تَصفيق الدواعش ومُشتقاتهم للحالة المُستجدة؟.

الذي يَجري، وتَسعى واشنطن لإتمامه بسرعة لا يَجري في كاليفورنيا أو أوكلاهوما، بل على تخوم روسيا والصين، ومباشرة على حدود إيران، وبالتالي فما هو هزيمة ولا انهيار مشروع، بل بداية لمشروع بديل شيطاني الغاية والأهداف، يُحرق الآن ربما كل التساؤلات الدائرة حول مستقبل “شنغهاي” “الحزام والطريق” ويُحجم مشاريع أخرى، ويُعيد تَوجيه الأسئلة بطريقة أخرى لها حساباتها المُختلفة، ذلك أنّ ما جرى ويَجري يَفرض تحديات لم تَخطر مرّة لأحد قبل أسابيع قليلة!.

 

بخروجها من أفغانستان تَصنع أميركا بؤرة للتطرف والاستنزاف وفق المُواصفات التي وضعتَها هي بالشراكة مع معسكر الأدوات، ووفق مسارات حددتَها هي مُسبقاً خدمة لمصالحها وضرباً لمصالح خصومها، وتَحقيقاً لرزمة الأهداف التي رُسمت في واشنطن وتمّ إخراجها من الدوحة التي تتضخم في دور قذر تَلعبه بالتكليف وبالشراكة مع أردوغان وقبلَه، هنا في المنطقة وهناك في وسط آسيا وشرقها، ولتَبقى ربما أطياف بريجنسكي حاضرة، ومعها أحلام السيطرة على أوراسيا تمهيداً لبناء الامبراطورية التي لا تموت قائمة!.

ربما يَصح القول بأن واشنطن قد هُزمت في أفغانستان، غير أنّ العالم لا يقف الآن أمام هزيمة أميركية هناك، إنما بمُواجهة مُخطط جهنمي يَستهدفه في أمنه واستقراره، ويَستهدف خصوصاً حكومات ومُجتمعات دول الجوار.

لإجهاض المشروع المخطط الأميركي الذي يَفتح أبواب جهنم، يَحتاج العالم عملاً أممياً مُوحداً قوياً، إذا كانت تتبلور بهذه الأثناء حركة إقليمية لاحتواء الحاصل، فإنّ المَطلوب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أعظم وأكبر بكثير مما يتم تَداوله لا سيما ذلك المَبني بأغلبيته على تَقديرات لا تَرقى إلى مُستوى التهديد الذي صَنعته الولايات المتحدة هناك بالأصالة عن نفسها كجهة حصرية تَرعى الإرهاب الدولي وتَستثمر فيه.. فهل نَشهد حركة دولية إنقاذية؟ أم سيُترك برميل البارود باليد الأميركية الآثمة؟.

صحيفة الثورة – الافتتاحية – بقلم  *رئيس تحرير – 19 آب /  أغسطس 2021 م