جديد 4E

زادهم بضع حبات زيتون ..

 

 حسين صقر :

ذهبت تلك الأيام، وراح طعمها الحلو، خلت وطوت معها لحظات من الفرح والسعادة قضاها أهالي القرى تحت ضوء القمر، ينعمون بالسكينة والهدوء ويُطربون على خرير الماء وحفيف الأوراق، وذلك عندما كان يحلُّ الصيف ضيفاً، يتفرغون فيه لجني محاصيلهم، وتسويقها وتخزين ما أمكن لفصل الشتاء، حيث أشجار المشمش تكتسي بحمرة الثمار وصفارها وأشكالها وألوانها ونكهاتها المتعددة. زادهم بضع حبات من الزيتون وقطع الجبن وكرات اللبن التي ينتجونها من مواشيهم وأبقارهم، وبعض الخضار التي يزرعونها، بالإضافة لما يحضره رب الأسرة عند عودته من المدينة، وهو يحمل مختلف أنواع الأطعمة والحلويات.

مشروب هؤلاء كأس المتة الممزوج بأعشاب برية من أماكن إقامتهم، يشفي الروح بعد شقاء النهار، ويعطي الفؤاد حيوية ونشاط، و فنجان القهوة المرة المعطر بالهال.

سهرات السمر تنقضي على حكايات حدثت مع أسلافهم، يروونها بكل محبة وصدق وفخر، وموالات العتابا والميجنا.

سكنهم خيمة من أخشاب الحور والصفصاف، ومغطاة بورق تلك الأنواع، يفرشون أرضها بطراريح مصنوعة من بقايا الألبسة والأصواف والإسفنج، يعلقون في سقفها فانوس الكاز أو اللكس، حيث لم يكن هناك ليدّات ولا كهرباء تنقطع ولا تقنين ولا إرهاب أو تخريب، كل ما هنالك كان مسخّر للبناء والإعمار و تبادل السكبات والتعاون والمساعدة على الأعمال المجهدة، حيث لن يقوم أحد بعمل مجهد بمفرده، لأنه يجد حوله العشرات لمساعدته بالمجان ودون أي مقابل، سوى كأس الشاي لتجفيف عرقهم، وتهدئة أرواحهم ونفوسهم.

أيام كان فيها الخير طواف، والعطاء بلا حدود، والكرم منقطع النظير.

أهالي تلك القرى يحاولون اليوم إعادة تلك الأيام مع بعض التطور، حيث بنى بعضهم غرفاً إسمنتية، يعتمدون في إضاءتها على بطاريات الآليات ومنهم على الألواح الشمسية، يحاولون إعادة تلك الأيام التي أخذت ذاك الطعم الحلو.

يجتمع هؤلاء أثناء تحميل رزقهم، ويتبادلون الأحاديث عن تلك الأيام، كما يستذكرون أيام إنتاج قمر الدين على أيديهم، والأسعار كيف كانت، وكيف أضحت، وطرق التحميل والتنزيل والتسويق، وكم كانت لديهم كميات وفيرة، ويعقدون العزم كي يعيدون هذه الذكريات مع بعض التحديث، وإعطاء الأرض حقها من الماء والحراثة والأسمدة كي تعطيهم، لأنها أثبتت خلال تلك الظروف أنها خير معين لمواجهة الحصار الظالم والعقوبات الغربية القسرية التي تحارب فيها أميركا دولتنا السورية.

الأرض وماعليها وما في جوفها، وحدها تعزز مقومات الصمود، وتعطينا القدرة على مواجهة الظروف الصعبة التي نعيشها نتيجة الحرب الإرهابية الغادرة والوحشية الشرسة على وطننا الغالي.

لعل تلك الأيام تعود، ويعود معها الخير والوئام والمحبة و يعم السلام.