جديد 4E

حالة اشتباه..!

عبد الحليم سعود

 لا أخفيكم بأنني نسفت موضوع الزاوية التي كنت أنوي كتابتها بسبب عارض صحي لازمني لنحو أسبوع، فالظروف المعيشية الصعبة (المستمرة على نحو دراماتيكي دون معالجة حكومية) لم توفر سبباً مقنعاً من أسباب الوعكات الصحية إلا ودفعت به باتجاهنا نحن محدودي الدخل، بحيث بتنا على شفا حفرة مجاعة (قرص الفلافل بمئة ليرة وقد يسجل قفزات جديدة في الأيام القادمة تبعاً لسعر الزيت الذهبي)، حيث يستغل تجارنا الشطار أي فرصة ليوقعونا بالحفرة ويهيلوا علينا التراب، ثم يعتذروا عن تقبل التعازي بنا بسبب كورونا.

 ما جرى أنني استلمت رسالة (السورية للتجارة) بكل غبطة وسعادة غير مصدق فرحتي – وهنا كانت الطامة الكبرى – فقد اضطررت لحمل حصة عائلتي البالغة 18 كغ والصعود بها إلى خامس طابق، وما كدت أصل منزلي حتى بدأت مجموعة من الآلام المبرحة توزع نفسها على أنحاء متفرقة من جسدي، فقرر أهل بيتي أنني بحاجة للراحة التامة والاستسلام للنوم (ومن أين لموظف مثلي أن يغمض له جفن وهو يعايش يومياً هذا الوضع الاقتصادي المرعب).!

لم يكن أمامي وأمام العائلة لمواجهة الظرف الطارئ سوى تجريب وصفات المرحومة ستي من أعشاب وزهورات (طب شعبي) ولكن مع كل وصفة كانت حالتي تزداد سوءا، فلزمت الفراش محاولا النوم دون جدوى، ومع فشل وصفات ستي كان لا بد من تقمص دور الطبيب، فرحت أجرب كل ما بقي في صيدلية البيت من أدوية لها علاقة بالالتهاب ونزلات البرد والتشنج والحساسية وآلام الظهر، ولكن دون أن تتحسن الحالة، وكأن الطبيعة قد تحالفت مع الآلام لتلقيني الدرس المناسب.

 كان الأسبوع الماضي مليئا بالفعاليات والنشاطات الوظيفية، وهو ما أخرني عن مراجعة الطبيب (زيارة الطبيب هي آخر ما يلجأ اليه السوريون لمعالجة وعكاتهم الصحية) فتجندلت بطاقة التأمين والكمامة وذهبت إلى أقرب طبيب مسجل في التأمين على أمل أن يجد لي حلاً مع هذه الوعكة الطارئة ويساعدني على النوم، وما أن بدأت اشرح له بعض الاعراض التي أحس بها، حتى أخذ وضعية دفاعية محافظاً على مسافة أمان بيني وبينه، وراح يتفحصني مثل الروبوط وكأنه مرعوب مني، وأنا أحاول إقناعه أنه مجرد تشنج عضلي، وهو يستجمع في مفكرته كل أعراض الكورونا، وحين فشل كلانا، توصلنا إلى اتفاق وسط حول إصابتي بكريب حاد مترافق مع تشنجات وآلام في الظهر والتهابات، فنصحني ببعض المسكنات التي وجد فيها ضرورة.

اليوم مضى أسبوع على الوعكة ولا شيء قد تغير، فالأعراض ما زالت على حالها وكل يوم يضاف إليها أعراض جديدة، ما اضطرني لاتخاذ قرار بتجاهل رسائل الغاز والمازوت والرز والسكر في الفترة القادمة (ويا دار ما دخلك شرّ)، فالصحة تاج فوق رؤوس الاصحاء (كما يقولون) إذا ترك لنا تجارنا فرصة للصحة والحياة والعيش الكريم، و(السلامة ولا الندامة) وعصفور باليد أحسن من عشرة على الشجرة (إذا ضل شجرة)، حماكم الله من كل مكروه..!