جديد 4E

محمود ديبو أمين اقتصادي لصحيفة الثورة أُبَكِّلُ معه حياتي المهنية بقفلٍ من ذهب

خاص للسلطة الرابعة – علي محمود جديد

خلال أقل من شهر يدفعني السيد وزير الإعلام عماد سارة للمرة الثانية إلى مزيد من الفرح والاغتباط، من خلال قرار موفق آخر يتضمن تكليف الزميل العزيز ( محمود ديبو ) بمهمة أمين تحرير الشؤون الاقتصادية في صحيفة الثورة، وذلك بعد اختياره الجميل الأول بتكليفه للزميلة هناء ديب بإدارة معهد الإعداد الإعلامي.

أتمنى أن لا تلوموني على هذه المشاعر التي أبثّها – وربما لا تهمّكم – ولكني أنا ومحمود وهناء عشنا لسنوات في دائرة الاقتصاد والتنمية في صحيفة الثورة، وفي رحاب هذه المهنة الرائعة، غير أنني عشت مع الزميل العزيز الأستاذ محمود فترة أطول، وأعرف جيداً أنه من العاشقين لهذه المهنة من كل قلبه وعقله، وقد أبلى بلاء حسناً بطرحه للكثير من القضايا والمسائل الاقتصادية الهامة، التي لا يصعب أبداً استنتاج لهفته الصادقة للوصول إلى نتائج قيّمة وحلول ممكنة لقضايا متعثرة.

وأعرف جيداً أنه كان مصرّاً دائماً على الاستمرار في متابعة السير بقوة في الطريق المتعب لهذه المهنة، متمسكاً بلذاتها الطيبة التي ننشدها بين حين وآخر، ولم يتوقف على الرغم من حالات الإحباط التي واجهته أحياناً وربما التهميش أحياناً أخرى.. ولكنه استمر بلا تردد.

أشعر بسعادة غامرة اليوم لما حصل، فقرار الوزير بتكليفه بهذه المهمة يضعه في المكان المناسب ليكون قوياً بذاته هذه المرة متجاوزاً لكل العقبات التي واجهها سابقاً دون أن يجد من يمسك بيده أو يعترف بمهنيته على حق قدرها، ما يؤهله للانتقام، ولكن بطريقته التي أعرفها جيداً في عقله وقلبه، والتي لا أشك بأنها ستقوم على مبدأ تحفيز الآخرين وعدم تهميشهم والإمساك بيدهم بإصرار ليكون عوناً لهم، وسنداً يقيهم من كل المصاعب المحتملة، كي لا يمروا على بعض المطبات التي واجهته.

ولأنني أعرف محمود بهذه الأخلاقية العالية والمهنية الجادة، فمن حقي الاغتباط لهذا القرار، ومن حقي أيضاً أن اغتبط أكثر لنقطتين هامتين بالنسبة لي وخاصتين بي:

الأولى :

أن الزميل محمود بات اليوم جاري ( اللزم ) فمكتبي بجوار مكتبه، لا يفصلنا سوى جدار، فأنا سعيدٌ جداً بهذه الجيرة، على الرغم من أنه لم يبقَ لي سوى نحو ثلاثة أشهر حتى أنهي خدماتي قانوناً، فأنا مطمئن أنني خلال هذه الأشهر الثلاثة سأكون بحالة دفءٍ وحميميّة بجوار صديقٍ غالي وزميل عزيز.

الثانية :

أن الزميل العزيز محمود أعاد لي بوجوده القريب مني وبمنصبه الجديد، ذكرياتٍ حلوة جداً تمتدّ إلى نحو أربعين عاماً، فأيقظها وأنعشها من جديد، وطبعاً هذه الذكريات ليست معه فهو شاب ومنذ أربعين عاماً كان ما يزال صغيراً، ولكن تلك الذكريات التي أقصدها هي مع والده العزيز الأستاذ والزميل المعلّم ( علي ديبو ) الذي ما إن فتّحتُ عيوني في هذه المهنة الجميلة ( الصحافة ) حتى وجدته أمامي راعياً عطوفاً ومعلماً بارعاً مجبولاً بالصدق والتهذيب والأخلاق العالية.

ففي عام 1981 أصدر المدير العام لمؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر، ورئيس تحرير جريدة الثورة أستاذنا الفاضل ( محمد خير الوادي ) قرارات تعيين لمجموعة من الصحفيين – كنتُ واحداً منهم – بعد أن تقدمنا لمسابقة أجرتها مؤسسة الوحدة آنذاك، وطال التعيين معي العديد من الزملاء منهم ( سعد القاسم – لميس كركوتلي – منهال الشوفي – عادل صقور – محمد القاسم – علي حسن ، الذي ترك الصحافة وبقي محافظاً على صداقته معها واختار العمل كرجل قانون ليغدو واحداً من أبرز المحامين في اللاذقية – والمرحومين : ( فيصل نفاع – أحمد صالح – علي جريدة ) رحمهم الله.

بالنسبة لي أنا شخصياً لم أكد أصدق بأنني قد غدوتُ صحفياً في مثل هذه الجريدة العريقة التي تضم شخصيات كانوا مجرد محررين فيها ولكنهم بالنسبة لي أسماء أسطورية أو حتى خرافيّة، لم أكن أتوقع يوماً أن أراهم، فكيف وقد صرتُ إلى جوارهم، لا بل وصاروا لي زملاء .. ؟!

ففي ذاك الزمان كان وزير الإعلام هو أحمد إسكندر أحمد، ورئيس التحرير المدير العام محمد خير الوادي قادماً كخلف للرجل الوطني الرائع أحمد الحاج علي، وكان سكرتير التحرير سليم خليفة، ومن المحررين يوسف المحمود، رفيق أتاسي، فارس زرزور، ممدوح عدوان، صياح السخني، ناديا دمياطي، محمد علي بوظة، محمد محلا، رياض درويش، هاني الخيّر، نزار درويش، أسعد عبود، بسام جعارة، محمد مصطفى درويش، أحمد عجاج، أحمد صوان، محمد خير الجمالي، وعلي ديبو .. وغيرهم من هذه النماذج الذهبية، فإلى أين نحن ذاهبون ..؟ كنتُ أقول لنفسي، وكيف سنمرّ من بين هؤلاء العمالقة ..؟! ولكن هذا هو واقع الحال .. وعلى الله الاتكال.

الأستاذ علي ديبو

فمع مباشرتنا وفرحتنا العارمة بهذا التعيين، وحماسنا اللامحدود للبدء والانطلاق إلى ميادين العمل، ارتأت إدارة الجريدة أن تُحدث قسماً جديداً ومستقلاً لنا باسم ( قسم المندوبين ) وأوكلت رئاسته إلى أستاذنا الكريم الفاضل ( علي ديبو ) الذي كان كأبٍ عطوف علينا، يرشدنا إلى أين نذهب ..؟ وكيف نتعاطى مع مكامن الأخبار ..؟ ثم كيف نفعل من أجل صياغة الخبر وإبراز الحدث المُراد إبرازه، ونسنده إلى مصدره، ونحدد فيه الزمان والمكان، وما إلى ذلك من التعليمات التي تشرّبناها منذ ذلك الزمان، وبقيت قواعد عندنا نسير بهداها إلى اليوم.

لم يكن مبنى الجريدة وقتها في هذا المكان الشامخ هنا على دوار كفرسوسة، إذ كان هذا البناء الأزرق الجميل ما يزال في مرحلة الإشادة والتعمير، بينما جريدتنا ( الثورة ) كانت تقع على الطرف الشمالي من حي القنوات الدمشقي خلف القصر العدلي القديم، ومن هناك كنا ننطلق إلى حيث يوجهنا الأستاذ علي ديبو، وكان يوصينا دائماً بصدق نقل المعلومات، وأن لا نخشى من أحد إن كنّا صادقين، وأن تكون شخصيتنا قوية، وبالمقابل يوصينا بضرورة العمل على بناء علاقات طيبة مع الجهات التي نتقصّى أخبارها حتى تطمئن إلينا وتعطينا المعلومات الجديدة لنحظى دائماً بالسبق الصحفي الذي يعتبر مقياساً للتفوق في هذه المهنة.

انطلقنا .. وبدأنا نأتي بالأخبار من كل حدبٍ وصوب، وكنا نستطيع في كل يوم أن نقدم حزمة أخبار ومعلومات جديدة للصحيفة.

بعد سنواتٍ قليلة انتقلت الصحيفة إلى مبناها الجديد على دوّار كفرسوسة، وتغيّر نظامها الداخلي ليصير من بين مفاصلها منصب جديد اسمه ( أمين التحرير ) وكان لكل الجريدة أمين واحد للتحرير، وقد تمّ اختيار الأستاذ علي ديبو ليشغل هذا المنصب.

وهكذا دارت الدنيا في دولابها الذي لا يتوقف، بانطلاقتنا من قسم المندوبين برئاسة الأستاذ ( أبو محمود ) علي ديبو، منذ أربعين عاماً، ثم يصير أول أمين للتحرير في حياتنا المهنية، لأختتم بعد أشهر قليلة هذه الحياة المهنية ( ضمن جريدة الثورة ) ويكون ابنه ( محمود ديبو ) أميناً لتحرير الشؤون الاقتصادية لأعمل تحت ظلاله كآخر أمين تحرير بما تبقى لي من شهور وأيام.

إنها حالة جميلة فعلاً، أشعر من خلالها أنني بكّلتُ حياتي المهنية في هذه الصحيفة العزيزة ( الثورة ) بقفلٍ من ذهب، فوجود محمود اليوم أشعل في أعماقي تلك الذكريات الجميلة، التي تشاء الأقدار بأن تلتقي اليوم – تلك البدايات – مع أجمل النهايات.

أبارك من أعماق القلب للأستاذ محمود ديبو هذا المنصب الذي يستحقه بجدارة راجياً له كل الخير والتوفيق، وراجياً لمعلمنا الأستاذ علي ديبو كل الصحة والعافية وطول العمر.. وأختتم بالشكر مرة أخرى للسيد وزير الإعلام عماد سارة على هذا الاختيار الموفق.