جديد 4E

ما علاقة حرية الرأي .. بآداب الحديث .. وأبعاده ..؟

أحمد هيجر

يقول المثل الانكليزي :

أحمد هيجر

“ان اللسان كجواد السبق كلما خف وزن راكبه أسرع في الجري”

ومما لاريب فيه أن المتحدث اللبق لا تخلو أقواله من المزاح وسرعة الخاطر.. والحرص على تخفيف حدة الجد بظرف الفكاهة بشرط الاعتذار ومراعاة مقتضى الحال.. وتجنب التهكم اذا كان فيه ما يجرح شعور الغير.. أو ما يتسبب عنه خصومة و سوء تفاهم..

وكثيراً ما يمعن المتحدث في سرد النوادر والروايات والأقاصيص والذكريات الخاصة.. وينسى أن لأذواق المستمعين وأذهانهم حدوداً.. وأنها متى بلغت درجة التشبع عافت المزيد وفقد الحديث طلاوته..

والمحدث الماهر يجب أن يكون واسع الأفق.. بعيد النظر.. ولا يتأتى ذلك الا بغزارة المعرفة وسعة الاطلاع وحسن الاختيار..

وفضلا عن صفات الصبر والاناة والتسامح والهدوء.. ينبغي أن يكون المتحدث ملما بفن الاستماع المامه بالقراءة والكتابة..

فمن عيوب الحديث أن يفكر أحد أفراد الجماعة فيما يريد أن يدلي به.. في الوقت الذي يكون فيه زميله منهمكا في عرض آرائه..

ولما كان الحديث في الأصل رياضة ذهنية.. لاسيما اذا لم يكن الغرض منه الوصول الى نتيجة حاسمة.. فليس ثمة ما يدعو لفقد الأعصاب أو التهيج..

ومن أقوال أحد الفلاسفة :

“ان معركة الكلام لا يمكن أن تقع فيها اصابات قاتلة”..

ومن المبادئ التي على المتحدث معرفتها أن الحديث من أنجع الوسائل للتعارف وتوثيق عرى الصداقة..لأن فيه تظهر فلسفات الحياة ومثلها العليا التي يشترك فيها المساهمون في الحديث ويتفقون عليها..فتصبح متاعا مشاعا..

فاذا لم يحدث اتفاق في موضوع لاختلاف وجهات النظر فلا بأس من تغييره منعا لتصديع تلك الصداقة..

بيد أنه من العيوب الشائنة أن يحاول أحدهم قفل باب الحديث لمجرد اختلاف وجهة نظره عن سائر الزملاء..

وقد فاته أن من فوائد الحديث اطلاق حرية الرأي قبل كل شيء..

وقد يكون الحديث لمجرد التسلية.. على أن هذا لا يخل بالشروط  التي تتطلبها آداب الحديث..

يضاف الى ذلك أن حديث الترفيه والتسلية قد يسول لصاحبه أن يسترسل في أقوال ونوادر وطرائف تافهة تسف بالحديث الى مستوى الثرثرة وتحط من قدر المتحدث..

ولعل أشد المحدثين نذالة ذلك الذي يستضعف واحدا أو أكثر من المستمعين فيتنكر له وينهره اذا خالفه فيما يقول أو لمجرد فتح فمه للاشتراك في الحديث..

وكثيرا ما يكون هذا المحدث واسع الحيلة خبيرا بشتى الأمور عنيفا قوي الشخصية أنانيا ممتلئا معرفة ودراية.. ولكنه يتخذ هذه الصفات القوية سلاحا يخيف به زميلا له فيصول ويجول ويقسو ويتجبر..!

وقد وجد بالاختبار والتحري أن في كل مجلس أفرادا يذعنون راضين أو كارهين لأمثال هؤلاء المحدثين الأنذال.. كما أن في كل حظيرة للدجاج دجاجة مستضعفة تشبعها زميلة لها نقرا بمنقارها وتنفرد بها في ركن من أركان الحظيرة وهي صاغرة طائعة لا تحاول الدفاع عن نفسها..

ان حب الظهور في الحديث من طبيعة البشر ولا عيب في ذلك.. اللهم الا اذا كان صاحبه جافيا صياحا صاخبا أو عنيدا متشبثا لا يراعي حقوق زملائه..

والناس يغفرون عادة للمحدث المحب للظهور طالما كان ماهرا في اثارة الأذهان الخاملة وايقاظ العقول وشحذ الآراء التي قتلها الصدأ..

ومن خصائص المحدث اللبق الانطلاق والوثوق بالنفس وعدم التردد واتقاء الحياء والمبالغة في الحذر..

ولكن ليس معنى هذا أن يكون صفيقا أو ان يملي ارادته على الغير.. أو أن يقف موقف المعلم أمام تلاميذه..

اذ أن واجب المحدث كما سبق القول أن يشعر زميله أو زملاءه بالمساواة وان كان الواقع غير ذلك..

وعلى المحدث أن يضحك مع الضاحكين كلما دعت الحاجة.. وأن يبدو السرور على وجهه في خلال الحديث.. اذ أن من أسرار نجاحه أن يكون راضيا عن حديثه واثقا من تأثيره في السامعين..!!