جديد 4E

التشرّد على أصوله .. !

علي محمود جديد

لا ندري كيف استطاع معلمو نكد العيش، وهواة الظلم، ومحبو السعي لتلبيس الآلام على رؤوس الناس، والاستمتاع بمعاناتهم وأوجاعهم، أن يتجرّؤوا على تمرير ضاحية ( الشهيد باسل الأسد السكنية العمالية المجاورة لمطار دمشق الدولي ) بمنعها من التشميل بأحكام المرسوم التشريعي رقم ( 46 ) لعام 2002 وحرمانها من الخضوع لأحكامه، وهو القاضي بتمليك المساكن العمالية للشاغلين المخصصين، أو الشاغلين غير المخصصين، والتي تكون مشادة من قبل اللجنة العليا للسكن العمالي..؟!

هذا المرسوم جاء بوضوح معبراً عن إرادة طيبة من السيد الرئيس بشار الأسد تجاه العاملين المخصصين والشاغلين لهذه المساكن، لإزاحة همّ الإخلاء عن قلوبهم، وقيل وقتها أن الشعور بالملكية من شأنه أن يدفع الشاغلين إلى الاهتمام أكثر بالمباني وخدمتها وصيانتها، أما الإبقاء على تبعيتها للدولة فستبقى عرضة للإهمال، وقد لا يحق لهم العناية بها أصلاً إلا بإجراءات وأذونات خاصة من المالك الذي هو الدولة، وقد حقق ذاك المرسوم بالفعل ارتياحاً كبيراً في أوساط العاملين الشاغلين والمخصصين، حيث غمرهم بالطمأنينة والاستقرار، وأنا أدرك ذلك جيداً فقد عشت هذه الحالة ولا أزال في مدينة عدرا العمالية، حيث تملّك الشاغلون والمخصصون مساكنهم فعلاً.

المصيبة التي حلّت في ضاحية المطار أنها لم تخضع لهذا المرسوم، رغم أنها مشادة من قبل اللجنة العليا للسكن العمالي، فبقي العاملون الساكنون فيها على قلق واضطراب، يواجهون بين فترة وأخرى خطر الإخلاء ومرارة النتائج الناجمة عنه، ولاسيما في مثل ظروفنا الصعبة القاسية .. بل والمجنونة في هذه الأيام، من حيث الأسعار التي لا تهدأ ارتفاعاً وبشكل فظيع، ومن حيث صعوبة العيش بشكل عام وارتفاع تكاليف الحياة المتزامن بطبيعة الحال من انخفاض مستوى المعيشة، فإلى أين سيذهب العامل الذي أفنى حياته في خدمة الدولة، وإلى أين ستتشرّد أسرته سواء كان قد تقاعد أم توفي إن ألزموا تلك الأسر بالإخلاء لأي سبب كان ..؟! بعض العاملين الذين تلقوا إنذارات اليوم بالإخلاء خلال 48 ساعة يقولون بأنهم سيواجهون التشرّد على أصوله مع أسرهم فعلاً، ولا يعرفون إلى أين سينتهي بهم المصير ..! فهم غير قادرين على تكاليف الإيجار بأي مكان، ولا حتى على تكاليف نقل أثاث بيوتهم، في حين يتباهى بعض كبار المسؤولين في قطاع النقل الجوي – كما نقلوا لنا – بأنه لا تراجع عن الإخلاء وتوجيه الإنذارات، ولكن بالتدريج كي لا تتحول المسألة إلى قضية رأي عام .. !

كيف تفكر مثل هذه العقول الملوثة ..؟! وكيف تنبض مثل تلك القلوب القاسية ..؟! يتباهى هؤلاء المسؤولين بما هم يصممون على اقترافه، بدلاً من أن يسعوا من مراكزهم لتسوية الوضع بالشكل السليم وإدخال ضاحية المطار تحت عباءة المرسوم 46 لعام 2002 لاستعادة هذا الحق الضائع بدلاً من تكريس ضياعه..!

كان الله بعون أخوتنا العاملين الساكنين في ضاحية المطار، على مثل هؤلاء المسؤولين الذين لا يكفّون عن استمتاعهم بما يفعلونه من ظلم وافتراء، آملين أن تصل صرختنا على الملأ إلى مسامع أي مسؤول منصف بإمكانه أن يأخذ هؤلاء المظلومين بحلمه.. وينهي لهم هذه المأساة.