جديد 4E

هواجس امتحانية..!

عبد الحليم سعود

يضحكني كثيراً ويثير سخريتي أكثر إصرار الجهات المعنية على قطع الاتصالات الخليوية والنت أثناء تقديم امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، وخاصة ما يسوقونه تحت “منع الغش”، وكأن الغش الوحيد الممكن حدوثه هو ذلك الذي سيستخدم الهواتف الحديثة ووسائل التواصل عبر الانترنت، مع العلم أن قطع الاتصالات يربك حركة البلد ويعطل الكثير الكثير من معاملات الناس وأشغالهم خلال فترة الامتحانات، وهو لا يمنع بتاتاً حدوث الغش الذي تتخوف منه وزارة التربية أو الجهات التي اعتمدت هذا الأسلوب المستفز، لأن هذه الظاهرة القديمة لا يمكن منعها إلا بأساليب مختلفة تحد من تدخل العامل البشري المسؤول بالدرجة الأولى عن الغش بكافة أشكاله.

 فمن المعروف أن أساليب الغش بالامتحانات متعددة وكثيرة، تبدأ “بالراشيتات” العادية التي يعدها الطلاب الكسالى قبل الامتحانات أو “المصغرات” التي يستخدمها الطلاب خفية عن أعين المراقبين ــ وهي بالمناسبة تباع في المكتبات ــ مثلها مثل الملخصات والنوتات وباقي الكتب والقرطاسية، وصولا إلى قيام بعض الطلاب بالاطلاع على أوراق زملائهم خلسة أو بعلمهم، وذلك بمساعدة مباشرة أو غض نظر من قبل المراقبين، مروراً بتدخل المراقبين أنفسهم ـ وبعضهم أساتذة مختصون ــ سواء بتقديم التسهيلات لمن يريدون الغش والنجاح بطرق ملتوية، وصولا إلى تدخل جهات “نافذة” بالامتحانات والإشراف على عمليات الغش بنفسها دون أن تستطيع الجهة الموكلة بمراقبة الامتحانات في كل مدرسة منعها، وهناك أيضاً عمليات تسريب الأسئلة التي تتم عن طريق موظفين “مؤتمنين” ــ على قلتها ــ وكثيراً ما نسمع عن مراكز امتحانية تم بيعها أو أشخاص معروفين بانعدام النزاهة تم تعيينهم في مراكز امتحانية معينة لتسهيل عمليات الغش لبعض الطلاب المدعومين، وربما هناك أساليب كثيرة لم تسعفني ذاكرتي باستحضارها، وهي في معظمها لا تشترط وجود الهواتف النقالة وشبكة النت..

 باختصار يبقى العامل البشري هو الحاسم في مسألة تسهيل الغش أو منعه لأنها مسألة تتعلق بالضمير المهني والأخلاق والمبادئ والرغبة في بناء جيل حقيقي لديه من المعرفة والكفاءة والنزاهة ما يمكنه من بناء وطنه بأفضل الطرق العلمية، وبالتالي لا يمكن لأي مساعي تربوية مهما بلغ أصحابها من النزاهة والشرف أن تنجح بنسبة مئة بالمئة في منع عمليات الغش أثناء الامتحانات، وهذا ما يستوجب اتباع أساليب علمية حديثة في اختبار الطلاب ومعرفة قدراتهم الحقيقية، لا أن تستمر الامتحانات بهذه الطريقة التقليدية المبنية على أسلوب الاستحفاظ و”البصم” وحشو أذهان الطلاب بالمعلومات السريعة النسيان من أجل إفراغها على ورقة الامتحان في مدة محددة وفي ظروف قد لا تكون صحية أو مناسبة.

 بالمناسبة، أنا من جيل قدّم أغلب امتحاناته في حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حيث لم يكن هناك أي نت أو هواتف خليوية، ومع ذلك تمكن العديد من أبناء جيلي من النجاح والتخرج من الجامعة ومن ثم الالتحاق بالوظائف الرسمية وصولا إلى شراء واعتلاء المناصب ” المهمة” أحياناً باعتماد الأساليب الملتوية والغش في الامتحانات والاستفادة من المحسوبيات والواسطة والدعم، وما الظروف الاقتصادية والمعيشية والخدمية الصعبة التي نواجهها وتراكمات الفساد التي نعاني منها سوى نتيجة لبعض ما ذكرت دون  نسيان العوامل الخارجية، لذلك لا تضعوا الحق على النت والفيسبوك والهواتف الخليوية في كل مشكلة نعانيها، لأن المشكلة ليست في التكنولوجيا الحديثة التي نستخدمها وإنما بالعقول والنفوس المريضة التي تشرف عليها وتطوعها لخدمة مصالحها ورغباتها الخاصة..فقد اخترعت السيارة لتكون واسطة نقل سريعة تقرب المسافات بينما استخدمها بعض المتعفنة عقولهم وسيلة للقتل والتخريب والأمثلة كثيرة ..واللبيب من “التجارب” يفهم..!