جديد 4E

النظام التركي يواصل (حرب المياه) على سورية خفض مياه الفرات جريمة جديدة بحق الشعب السوري

خفض مياه نهر الفرات إلى أدنى مستوى: جريمة جديدة للنظام التركي بحق الشعـب السوري 

 

أ.د. عبد الرحمن: الاعـتداء على حق سورية بمياه الفرات من قبل النظام التركي يرقى إلى مستوى العـدوان والحرب 

 

أ.د. مارديني: الأضرار التي ألحقها النظام التركي  بسورية أكبر من أن توصف على مستوى الطاقة والبيئة وفي المجالات الزراعية والبشرية وتربية الحيوان

 

مشروع غاب التركي من تصميم خبراء إسرائيليين ودعمته إسرائيل مالياً بسخاء وتعمل فيه 67 شركة إسرائيلية 

 

جاويش: القانون الدولي يعـطي الحق في الحصول على حصة عادلة ومعقولة من المياه لكل دولة تشترك في حوض مائي دولي 

 

السلطة الرابعة ــ خليل اقطيني:

الجرائم التي يرتكبها النظام التركي العثماني الجديد بحق سورية شعباً وجيشاً وحكومة كثيرة وكبيرة. من دعم المجموعات الإرهابية المسلحة إلى سرقة المعامل والمصانع إلى احتلال أجزاء من الأراضي السورية، مروراً بقطع مياه الشرب عن السكان، وحرق الحقول الزراعية ونهب المحاصيل وتهريبها إلى داخل الأراضي التركية. وصولاً إلى ما أقدم عليه النظام التركي مؤخراً من جريمة جديدة تضاف إلى تلك الجرائم، وهي العمل على خفض المياه في سرير نهر الفرات إلى أدنى مستوى، وذلك بشكل متعمد وعن سابق إصرار وتصميم. في خرق واضح وسافر للقانون الدولي وللمعاهدات والمواثيق الدولية.

فما هي هذه الجريمة ومتى بدأت وما هو تأثيرها على الجانب السوري، الشجر والحجر والإنسان والحيوان والبيئة، وما هي التبعات القانونية لها وموقف القانون الدولي منها، وكيف يمكن التصدي لها؟.

موقع السلطة الرابعة حمل هذه الأسئلة إلى المختصين والخبراء، فكان هذا التحقيق الصحفي.

*الاعتداء ليس وليد الساعة

الأستاذ الدكتور عبد الرحمن عبد الرحمن

 

*البداية كانت مع الأستاذ الدكتور عبد الرحمن أحمد عبد الرحمن المختص بالهندسة المائية وعميد كلية الهندسة في جامعة الفرات في الحسكة، الذي حدثنا عن الاعتداء على حق سورية بمياه نهر الفرات بقوله:

بصرف النظر عن التفاصيل التقنية التي أنتجت منها لجان الخبراء حتى الآن الكثير، فإن الاعتداء على حق سورية بمياه نهر الفرات من قبل النظام التركي، والذي يرقى إلى مستوى العدوان والحرب بكل ما في ذلك من معنى ليس وليد الساعة، وإنما يعود إلى عقود خلت، فقد بدأ منذ وضع حجر الأساس لبناء سد كيبان في تركيا. وأخذ هذا الاعتداء يزداد يوماً بعد آخر ليبلغ ذروته في كانون الثاني/يناير من العام 1990، عندما أوقف النظام التركي تدفق مياه نهر الفرات إلى سورية بذريعة ملء سد أتاتورك، الأمر الذي شكل تهديداً كبيراً للأمن الاقتصادي والغذائي وحتى السياسي السوري، ذلك أن إنتاج الطاقة والري مرتبطان في سورية بمياه نهر الفرات، فضلاً عن مياه الشرب التي تسقي الملايين من سكان الجزيرة السورية وحلب والرقة.

النظام التركي ينشىء في حوض دجلة والفرات

22 سداً و19 محطة كهرباء ما قلص تصريف

النهرين إلى ما دون النصف

وأوضح الأستاذ الدكتور عبد الرحمن: إن الحكومة السورية وقـّعـَت مع أنقرة صيف العام 1987 بروتوكولاً مؤقتاً، يلتزم بموجبه النظام التركي بمد سورية بأكثر من 500 متر مكعب في الثانية، عندما يدخل نهر الفرات نقطة الحدود التركية ــ السورية. حسب ما نصت على ذلك المادة السادسة منه. حيث أصرت الحكومة السورية على أن هذا البروتوكول مؤقت، ريثما يتم التوصل إلى اتفاق نهائي لتوزيع مياه نهر الفرات بشكل عادل بين الدول الثلاث التي يمر في أراضيها وهي تركيا وسورية والعراق. ذلك أن هذا البروتوكول كان مبدئياً ومحدد المدة بخمس سنوات، على أن يلحق به برتوكول دولي رسمي يترك النظام التركي بموجبه لسورية حوالي 700 متر مكعب في الثانية، في إطار اتفاقية دولية توقع عليها تركيا وسورية والعراق. ولكن النظام التركي مع الأسف وبعد مرور السنوات الخمس في عام 1992 عندما حان الأوان للتوقيع على الاتفاقية النهائية لتقاسم مياه الفرات بشكل عادل تنصل من هذا الكلام، لأنه يدرك أن موقفه ضعيف، كون الحكومة السورية تمتلك الأدلة والبراهين الفنية والقانونية التي تؤكد أن حصتها من مياه الفرات يجب أن لا تقل عن 700 متر مكعب في الثانية عند نقطة الحدود التركية ــ السورية. وذلك بموجب أحكام القانون الدولي التي تنص صراحة على “حق دول المجرى المائي بأن تنتفع كل في إقليمها، بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة”. من ذلك ــ مثلاً ــ ما نتج عن مؤتمر هلسنكي المنبثق عن مؤتمر جمعية القانون الدولي، في العام 1966، عندما وضع العديد من القواعد لذلك، أبرزها أنه “لكل دولة تشترك في حوض مائي دولي الحق في الحصول على حصة عادلة ومعقولة من المياه”. لكن الاتفاق النهائي لتوزيع مياه الفرات لم يتم حتى الآن بسبب رفض النظام التركي. وعدم اعتباره نهر الفرات وكذلك نهر دجلة نهران دوليان إذ يصفهما بأنهما مياه عابرة للحدود.

النظام التركي مازال يتهرب من توقيع اتفاقية دائمة

لتقاسم مياه الفرات رغم انتهاء مدة الاتفاق المؤقت منذ 1992

كما أن حكومة النظام التركي لم تلتزم بالبروتوكول المؤقت الذي أبرمته مع الحكومة السورية، وضربته بعرض الحائط. بدليل أن معدل الوارد المائي لنهر الفرات عند الحدود التركية ــ السورية انخفض انخفاضاً كبيراً وصل إلى 200 متر مكعب في الثانية فقط. وبذلك انخفض مجموع الإيرادات المائية السنوية لنهر الفرات عند الحدود التركية ــ السورية إلى حدود 15.7 مليار متر مكعب. في حين كان معدل تلك الإيرادات في الفترة التي سبقت قطع المياه يصل إلى 30.2 مليار متر مكعب أي بفارق 14.5 مليار متر مكعب تقريباً. ويشكل هذا الفارق نقصاً خطيراً في الإيرادات المائية، التي لا يمكنها بهذه الحالة أن تؤمن الاحتياجات المائية لسورية. الأمر الذي يـُـلحق أفدح الأضرار بمشاريعها القائمة ويوقف خططها التنموية والخدمية.

 

فلسفة تركية خاصة لموضوع المياه

 

*لماذا يقدم النظام التركي على فعل ذلك؟. 

**يجيب الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بقوله: يبلغ طول نهر الفرات 2726 كيلو متراً، يجري منها 900 كيلو متر داخل الأراضي التركية، وألف كيلو متر ويزيد داخل الأراضي السورية، و800 كيلو متر في الأراضي العراقية. وتبلغ مساحة حوض التغذية لهذا النهر 444 ألف كيلو متر مربع في تركيا وسورية والعراق. أما مساحة حوض الفرات فتزيد على 64 ألف كيلو متر مربع وتصريفه يقارب 32 مليار متر مكعب. لكن السدود التي أقامها النظام التركي قـَلـّصت تصريف النهر إلى 23 مليار متر مكعب. ولا يزال النظام التركي ماض ٍ في إقامة مشروعات جديدة تستنفد المياه. كما إنه يقوم بتحويل المياه من روافد الفرات إلى اتجاهات أخرى بعيدة عن مجرى النهر.

حيث تم التخطيط من قبل النظام التركي في إطار مشاريع حوض دجلة والفرات؛ لإنشاء 22 سداً و19 محطة للطاقة الكهربائية ومشروعات أخرى متنوعة في قطاعات الزراعة والصناعة والمواصلات والري والاتصالات، وذلك ضمن إطار ما يسمى بمشروع (غاب). ويعلن المسؤولون الأتراك صراحة أن كمية المياه التي يتم حجزها من نهري الفرات ودجلة من خلال هذه المشروعات تصل إلى 50 مليار متر مكعب، وبذلك تسيطر تركيا على نسبة 28% من كمية المياه في المنطقة.

ومن أهم سدود مشروع (غاب) سد أتاتورك، الذي يقع على نهر الفرات على بعد 24 كم من مدينة أورفة، وتبلغ كمية المياه المخزنة فيه 48.7 مليون م3. وإلى جانب سد أتاتورك هناك سدود أخرى عديدة تنفذها تركيا اعتماداً على مياه نهري دجله والفرات منها: بريجيك، قره قايا، غازي عنتاب، كيبان، ودجلة الخ.

*تغذية من جهات خارجية للفلسفة التركية 

*وأكد الأستاذ الدكتور عبد الرحمن أن النظام التركي يفعل ذلك انطلاقاً من فلسفة خاصة به، تقوم على أن ما سيمتلكه من مياه سيوفر له ثروة وطنية تعادل ما تمتلكه دول المنطقة من النفط. وقد انتبهت جهات خارجية متمثلة بالثالوث الأميركي الصهيوني الغربي، لهذه الفلسفة التركية لموضوع المياه والتقطتها وراحت تعمل على أساسها، من خلال اللعب على هذا الوتر الحساس للأتراك.

بدليل أنه كلما أرادت الحكومة السورية إنجاز موضوع التوزيع النهائي لمياه الفرات ودجلة بين الدول الثلاث تركيا من جهة وسورية والعراق من جهة ثانية بشكل عادل ومنصف لهذه الدول، يقوم النظام التركي بافتعال الخلافات ووضع العراقيل والعقبات التي تحول دون إنجاز هذا الموضوع. وأبرز هذه العقبات هو الاختلاف في المفاهيم وعلى المصطلحات، وفق المفهوم التركي لوضع نهري دجلة والفرات، والمتباين بشكل واضح مع المفهوم السوري ــ العراقي للوضع القانوني لهذين النهرين. حيث يصر كل من العراق وسورية على اعتبارهما (نهران دوليان) خاضعان للقسمة المتساوية بين الجميع. عكس المفهوم التركي الذي يعتبرهما من (الأنهار العابرة للحدود) ليس إلاّ. ولهذا السبب بقيت الحكومات السابقة في تركيا لا تريد أن توقع أي اتفاقية لتقاسم المياه مع سورية والعراق، وذلك بتشجيع واضح وفاضح من الجهات الخارجية التي أشرنا إليها والتي كانت تعمل بإصرار على خداع تلك الحكومات، من خلال إقناعها بأن تركيا يمكن أن تجد قوتها في المياه، و ما دامت مصادر المياه فيها، فان هذا يعني أنها هي صاحبة الحق في التصرف بها، فضلاً عن أن موقفها المتحكم بكمية المياه سوف يجعلها تتمتع بميزة الجار الذي يسعى الجميع إلى عدم إغضابه.

أما إذا ما تم اعتبارهما من الأنهار الدولية (أي ينطبق عليهما القانون الدولي)  فإنها علاوة على خسارتها لتلك الميزات فإن مشاريعها المائية الخاصة بها، والتي تجد فيها دعماً كبيراً لمركزها السياسي. سوف لن تظهر إلى النور ما دامت قد وقعت على اتفاقية لتقاسم المياه مع سورية والعراق.

أميركا وأوربا وإسرائيل تدعم موقف النظام التركي

من المياه للتحكم بالأمن المائي والغذائي

لدول المنطقة

كما عملت تلك (الجهات الخارجية) على إقناع تركيا بأنها بتنفيذها لمشروعاتها المائية، ستصبح دولة متحكمة بالأمن المائي والغذائي لدول المنطقة. فضلاً عن إمكانية استخدام المياه كثروة وطنية يمكن مبادلتها بما لدى الآخرين من ثروات. من هنا نفهم ما جاء على لسان الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميرل في كلمته أثناء حفل افتتاح سد أتاتورك في تموز/يوليو 1992 بحضور رؤساء وممثلي 29 دولة، إضافة إلى نحو مائة دبلوماسي؛ حيث قال “إن مياه الفرات ودجله تركية، ومصادر هذه المياه هي موارد تركية، كما أن آبار النفط تعود ملكيتها إلى العراق وسورية. ونحن لا نقول لسورية والعراق إننا نشاركهما مواردهما النفطية، ولا يحق لهما القول إنهما تشاركانا مواردنا المائية، إنها مسألة سيادة، إن هذه أرضنا ولنا الحق في أن نفعل ما نريد”.

*أضرار أكبر من أن توصف 

*وعن الأضرار التي لحقت بسورية من جراء تخفيض منسوب المياه في نهر الفرات يقول الأستاذ الدكتور جاك مارديني رئيس جامعة الفرات والمختص بالهندسة المائية:

الأستاذ الدكتور جاك مارديني

 

بدت آثار الأضرار البالغة التي لحقت بسورية أكبر من أن توصف في المجالات الزراعية والبشرية وتربية الحيوان، وكذلك على مستوى الطاقة. فقد تعطلت 6 عنفات (توربينات) من أصل 8 عن العمل في سد الفرات لدى الجانب السوري، وانخفض مستوى المياه من الألف متر مكعب في الثانية على الحدود السورية التركية، إلى 200 متر مكعب في الثانية فقط. ونتيجة لذلك عجز المزارعون عن توفير الكميات الدنيا من الأعلاف لمواشيهم، وماتت الكثير من الأشجار والمزروعات وتراجعت الثروة السمكية وانقطعت المياه عن التجمعات السكنية. وانخفضت كمية الكهرباء المولدة بشكل كبير، فازدادت ساعات التقنين الكهربائي ازدياداً كبيراً في جميع المناطق التي يتم تزويدها بالكهرباء من السدود المقامة على نهر الفرات، في محافظات الحسكة والرقة وحلب، ما أثر كثيراً على الحركة الاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة.

كما أدى هذا الانخفاض في كمية المياه في مجرى نهر الفرات إلى رفع مستوى التلوث في روافد النهر. إلى نسبة تجاوزت الحد المسموح به دولياً بــ 125 بالمائة. إذ برهنت التحاليل المخبرية أن نسبة التلوث في نهر البليخ مثلاً قد وصلت إلى 1800 ملغرام في الليتر، بينما الحد الأدنى المسموح به دولياً هو 800 ملغرام في الليتر. وهذا يؤكد أن النقص في كمية المياه في مجرى النهر، صاحبه ترد ٍ خطير في نوعيتها بسبب زيادة نسبة الملوحة ونسب التراكيب الكيمائية الأخرى. والملاحظ أن هذا الأمر يزداد سوءاً مع استمرار النظام التركي باستخدام المواد الكيمائية في زراعة الأراضي ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول، وإعادة تصريف نسبة كبيرة من المياه التي تستخدم في ري تلك الأراضي باتجاه المجرى الرئيسي للنهر. فلقد بات ذلك ينذر بكارثة بيئية خطيرة تهدد البشرية في حوض نهر الفرات في سورية، إضافة إلى تهديده للإنتاج الزراعي والحيواني فيه.

وأوضح الأستاذ الدكتور مارديني إن قيام الحكومة التركية بتخفيض مستوى المياه في مجرى نهر الفرات يلحق ضرراً جسيماً بحقوق سورية بهذه المياه. ما يؤكد خطورة هذا التخفيض على البيئة في حوض الفرات، وعلى الأراضي التي تشكل القسم الأعظم من الأراضي الزراعية السورية، التي تعتبر أغنى وأخصب الأراضي الزراعية في الجمهورية العربية السورية، وعلى سكان سورية الذين تشكل مياه حوض الفرات المورد الرئيسي لشربهم وحياتهم. ذلك أن نهر الفرات هو شريان حيوي تقوم على توفر مياهه حياة الملايين الذين يقطنون حوض النهر في سورية، والذين يبلغ تعدادهم حالياً بحدود سبعة ملايين نسمة يعتمدون في حياتهم ومعيشتهم على مياهه بصورة رئيسة، حيث تـُزرع مساحة تقدر بنحو 1.9 مليون هكتار.

وهذا يبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الخطوة غير القانونية واللا إنسانية التي أقدمت عليها حكومة النظام التركي العثماني الجديد بقيادة (الإخونجي) أردوغان، لا تؤدي إلى حرمان سورية من حقوقها من مياه نهر الفرات فحسب، وإنما إلى زيادة التلوث في حوض هذا النهر. وبالتالي إلحاق الضرر بالبيئة في تلك المناطق وبحقوق الإنسان فيها، نظراً للآثار السلبية السيئة على حياته وصحته وزراعته ومستقبله، وبناء على ذلك تطالب الحكومة السورية بوقف هذا العدوان.

الحق بمياه الفرات موضوع لا تسمح سورية المساس به وهو قانوني ولا يمكن أن يكون ورقة سياسية

*فتش عن إسرائيل

 

خريطة مشروع غاب في تركيا الذي يضم 22 سداً

 

*وأكد الأستاذ الدكتور مارديني: إن الحق بمياه الفرات موضوع لا تسمح سورية المساس به، ولا تقبل بالتنازل عن حقوقها فيه. وذلك لأن حقها بهذه المياه قائم وثابت ومستند إلى اتفاقات وتشريعات دولية، مسجلة لدى الأمم المتحدة. وترى سورية أن موضوع المياه هو موضوع قانوني ولا يمكن أن يكون ورقة سياسية. وأن الطرف الوحيد المستفيد من توتير الأجواء العربية التركية عموماً، والسورية التركية خصوصاً، هو إسرائيل التي تسعى لاستثمار أي حالة توتر في المنطقة، في سبيل أهدافها ومخططاتها الأمنية والمائية والاقتصادية. كما ترى سورية أن الإقدام على تمويل السدود التركية من قبل دول أوربية يلحق أضراراً فادحة بالجانب السوري، على قاعدة تجاهل مواقف الدول المتشاطئة في النهر الدولي.

فقد أكد العديد من المسؤولين الأتراك أنهم حصلوا على الأموال اللازمة لتنفيذ مشروع غاب والبالغة 32 مليار دولار أميركي من مصادر عالمية، كما موّلت هذه المصادر تركيا بأموال بلغت 2.9 مليار دولار على شكل هبة دعماً للمشروع، ومن بين هذه الدول: الولايات المتحدة الأميركية، كندا، إسرائيل، وفرنسا.

وبالإضافة إلى الاهتمام البالغ الذي حظي به مشروع غاب داخلياً وخارجياً على الصعيد التمويلي؛ نجد أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل كانتا من أولى الدول التي أبدت اهتماماً كبيراً وملفتاً للنظر بهذا المشروع منذ بدايته، ولعل ” مشروع ري المراعي” في منطقة مشروع غاب من أهم المشاريع التي استحوذت على الاهتمام، هذا المشروع الذي بدأ العمل بتنفيذه في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر من 2002. وكانت إسرائيل في مقدمة الدول التي أبدت حماساً بالغاً لهذا المشروع، لأن الحكومة الإسرائيلية تريد أن تضع لها قدماً في هذه المنطقة المهمة للغاية بالنسبة لها. والملفت للنظر في هذا الاهتمام والحماس الإسرائيلي أنه كان عليه تعتيماً إعلامياً كبيراً من جانب الإسرائيليين، الذين كانوا يسعون للمضي قدماً للتوغل في المنطقة دون إشعار الآخرين بذلك، حتى تستحوذ على النصيب الأكبر من هذا المشروع، أي كي تستطيع أن تؤمن أكبر كمية من المياه لنفسها، قبل حدوث أي طارئ يقلب الأمور رأساً على عقب.

ولعل أهمية المشروع استراتيجياً وضخامته من الأسباب التي لفتت انتباه إسرائيل، وجعلتها تكثف جهودها في السنوات الأخيرة لوضع قدمها في هذا المشروع حتى يكون لها نصيب كما أسلفنا. وناهيكم عن أهمية المشروع من الناحية الاقتصادية؛ فإن إسرائيل توليه أهمية كبرى من الناحية السياسية والاجتماعية أيضاً. ولهذا أرادت جمع المكاسب الثلاث في خانة واحدة، لكي تصب في مصلحتها الخاصة.

وبدأ اهتمام الحكومة الإسرائيلية بهذا المشروع، منذ الزيارة التي قام بها وفد من وزارة الزراعة الإسرائيلية في عام 1993 إلى الغرفة التجارية في مدينة غازي عنتاب. ووصلت الأمور بإسرائيل في شهر أغسطس/آب من عام 1996 إلى حد الطلب من تركيا شراء أراض في منطقة مشروع غاب، وكانت إسرائيل تهدف من خطوتها تلك إلى تعزيز مكانتها في المنطقة من جهة، وفتح الباب للموساد للتوغل فيها من جهة ثانية، حتى تكون لها عين تراقب الأحداث عن كثب أولاً بأول.

سد أتاتورك يحجز لوحده 48 مليون م مكعب من مياه الفرات

 

ولا شك أن إسرائيل كانت تدير السيناريوهات من خلف الكواليس، وتحيك الخطط السرية في تركيا للتمركز في منطقة مشروع غاب، فالخطة الإسرائيلية بدت واضحة؛ فهي بدأت من نهر النيل، ووصلت الآن إلى نهر الفرات.

وثمة نقطة أخرى في غاية الأهمية لا يمكن التغافل عنها هي أن إسرائيل داخل اللعبة الإرهابية؛ فإسرائيل تريد أن تكون تركيا والعراق وسورية منشغلات بالمشكلة الأمنية، حتى يتسنى لها أن تسرح وتمرح في المنطقة دون إذن، وتحقق الأهداف التي تسعى إليها.

فقد أخذ النظام التركي قروضاً من إسرائيل لتنفيذ مشروع غاب، وإسرائيل بدورها لم تبخل بذلك؛ بل قامت بمنح النظام التركي القروض دون صعوبة تذكر. ولعل السبب وراء السخاء الإسرائيلي هو الحصول على المياه، والتحكم بها من أجل الضغط على سورية والعراق. وما لا يعرفه الناس أن مشروع غاب تم تصميمه بأيدي خبراء إسرائيليين منهم خبير الري شارون لوزوروف، والمهندس يوشع كالي. أما المشروع التركي الثاني مشروع سد أورفة فقد شرعت تركيا في بنائه بمساعدة مالية من إسرائيل.

ويستطيع سد أورفة بعد إتمامه أن يحبس مياه دجلة والفرات لمدة 600 يوم، ما يعني تجفيف مياه النهرين تماماً. وكان أرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل الأسبق قد زار أنقرة، لبحث الاستثمارات الإسرائيلية في مشروع إرواء جنوب شرق تركيا (غاب)، وبذلك أصبحت إسرائيل الشريك الفعلي في هذا المشروع الحيوي الذي يعد عصب الحياة في تلك المنطقة. ورغم أن شارون أكد خلال لقائه بقناة «إن. تي. في» التركية الخاصة بأن إسرائيل «ترغب في استثمار أموال في مشروع غاب»، فان ايانان غرسين، مستشار شارون للشؤون الاقتصادية، أكد لصحيفة «السياسة الحرة» الصادرة باللغة التركية في برلين أن إسرائيل ستستثمر مليار دولار في مشروع غاب من خلال الشركات والمؤسسات الإسرائيلية العاملة في تركيا. وما لا يعرفه الناس أيضاً أن 67 شركة ومؤسسة إسرائيلية تعمل في مشروع غاب منذ عام 1995 وتقوم بشراء الأراضي على ضفاف نهر مناوغات، الذي تطمح إسرائيل بشراء مياهه من تركيا لتلبية احتياجات المستوطنات اليهودية. وتقوم مؤسسة مشاو الإسرائيلية للتربية والتعليم بنقل التكنولوجيا الزراعية وإنشاء وإدارة الحقول إلى المزارعين اليهود في هذه المنطقة الواسعة في جنوب شرق تركيا.

ونظراً لأن مشروع غاب الواقع بالقرب من الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا، يلحق أفدح الأضرار بسورية والعراق، كونه يؤدي إلى تدنٍ كبير بمناسيب المياه الواصلة إليهما. وبالتالي تدمير الأراضي الزراعية وتصحرها، ويؤدي إلى إغلاق محطات توليد الطاقة الكهربائية المقامة على نهري الفرات ودجلة في هاتين الدولتين. كما يؤدي إلى نفاد مياه الخليج في شط العرب. فإن تنفيذه لا يتطلب الحصول على الموافقات القانونية الدولية فقط، بل يجب أيضاً الحصول على موافقة سورية والعراق؛ لكن على الرغم من ذلك، مضى النظام التركي بتنفيذ المشروع دون الحصول على الموافقات القانونية اللازمة من المجتمع الدولي ودول الجوار.

كما يقوم هذا النظام بإنشاء سدّين جديدين على نهر الفرات وعلى مقربة من الحدود التركية السورية، هما سدّ بيره جك وسد قرقاميش. اللذين سيتاح للنظام التركي من خلالهما التحكّم شبه المطلق بمياه النهر.

*لا علاقة للعوامل السياسية بقضية المياه

 

المحامي عبد العزيز جاويش

 

*الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب المحامي عبد العزيز جاويش أكد على ما قاله الأستاذ الدكتور جاك مارديني رئيس جامعة الفرات، ولاسيما قوله إن “موضوع المياه هو موضوع قانوني ولا يمكن أن يكون ورقة سياسية” فقال:

 

بالفعل لا علاقة للعوامل السياسية في القانون أو في الواقع بقضية المياه. وعليه أكدت سورية مراراً وتكراراً على ضرورة اقتسام المياه الدولية اقتساماً عادلاً. فقد بدأت المفاوضات بين تركيا من جهة والعراق وسورية من جهة ثانية لاقتسام مياه نهر الفرات منذ العام 1962، إلا أنها لم تؤد ِ إلى التوصل إلى اتفاق نهائي وذلك بسبب رفض الجانب التركي. وعدم اعتباره نهر الفرات وكذلك نهر دجلة نهران دوليان إذ يصفهما بأنهما مياه عابرة للحدود. لكن يغيب عن ذهن الحكومة التركية أن هذا الادعاء لا يعني بأي حال من الأحوال أن هذين النهرين غير خاضعين للقواعد القانونية الخاصة بالأنهار الدولية. هذه القواعد التي تسمي النهر الذي يجتاز أكثر من دولة بالنهر التعاقبي. فقد اعتمدت المنظمات الدولية مصطلح “الأنهار التعاقبية” في اللجنة السادسة (القانونية) للأمم المتحدة، كما اعتمدت تعريف مقرر لجنة القانون الدولي للمجرى الدولي بكونه المجرى الذي تقع أجزاؤه أو عناصره المعنية في دولتين أو أكثر ( الوثيقة. SR 44 Par 10 A.c.6  ).

ولا يخفى أنه بعد أن حظي استغلال مياه الأنهار الدولية في الأغراض غير الملاحية بدور متزايد، نشأت بمرور الزمن قواعد عرفية تنظم ذلك الاستغلال لكي يكون بطريقة يمكن أن تقدم أكبر الفوائد الممكنة إلى مجموعة الدول المشتركة فيها، كما تصدت للموضوع لجان وهيئات ومعاهد دولية رصينة، ويمكن القول إن القاسم المشترك لأسس التنظيم القانوني الدولي المعاصر، ينعكس في قانون استخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي، وأحالته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للسير في إجراءات إقراره (الوثيقة  A/CN.4/L  492   المؤرخة في 17 حزيران/ يونيو 1994) فقد بينت اللجنة في تقريرها حول المشروع، أنها عكست القواعد القانونية الدولية والعرف الذي استقر عليه التعامل بين مختلف دول العالم في مجال تنظيم استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية.

والواضح من المشروع المذكور هو تعريف المجرى المائي الدولي بكونه “المجرى المائي الذي تقع أجزاؤه في دول مختلفة” والواضح من المشروع أيضاً حق دول المجرى المائي بأن تنتفع كل في إقليمها، بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة، وتوجب عليها التعاون في حمايته وأهميته. وتوجب المادة الثانية عشرة على دول المجرى المائي الدولي قبل أن تقوم أو أن تسمح بتنفيذ تدابير مزمع اتخاذها يمكن أن يكون لها أثر سلبي جسيم على دول أخرى من دول المجرى المائي، أن توجه إلى تلك الدول إخطاراً بذلك في الوقت المناسب، مصحوباً بالبيانات والمعلومات التقنية التي تمكنها من تقويم الآثار المحتملة لتلك التدابير على حقوقها.

وفندت مؤسسة القانون الدولي في دورتها المنعقدة في سالزبورغ العام 1991 القواعد الدولية التي تحكم التصرف بالأنهار الدولية، وذلك على شكل توصيات. فأقرت أن لكل دولة الحق باستخدام مياه الأنهار الدولية التي تجري في أراضيها ضمن القيود التي يفرضها القانون الدولي. فلا يحق لأي دولة أن تقيم منشآت هندسية أو تستثمر مياه المجرى المائي والحوض المائي، بحيث تحدث تأثيراً ضاراً على استعمال المياه نفسها في دول الحوض، إلا بناء على اتفاق سابق أو تعويض عادل. كذلك لا يحق لأي دولة إقامة منشآت على النهر أو استخدام مياهه دون إبلاغ مسبق لدول الحوض.

أما الأكثر تفصيلاً فهو ما كان قد وصفه مؤتمر هلسنكي المنبثق عن مؤتمر جمعية القانون الدولي، وكان ذلك في العام 1966، عندما وضع العديد من القواعد لذلك، أبرزها لكل دولة تشترك في حوض مائي دولي الحق في الحصول على حصة عادلة ومعقولة من المياه.

كذلك حددت الأمم المتحدة الشروط العامة لتقسيم مياه النهر الدولي في مؤتمر للمياه عقد العام 1977.

*مخالفة واضحة لمبادئ القانون الدولي 

*وأضاف المحامي جاويش: وبالإضافة إلى الأحكام والقواعد القانونية الدولية العامة المشار إليها أعلاه، هناك أيضاً قواعد وأحكام خاصة بتنظيم استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لابد من التذكير بها، ومنها المادة 109 من اتفاقية لوزان المعقودة بين تركيا ودول الحلفاء بتاريخ 14 تموز/يوليو 1923.

رفض النظام التركي للتوزيع النهائي لمياه الفرات مخالفة واضحة للقانون الدولي ولمبدأ حسن الجوار

ومن المفيد أيضاً التذكير بالمعاهدات التي عقدت بين تركيا ودول أخرى مثل الاتحاد السوفييتي السابق واليونان وبلغاريا، في مجال تنظيم استخدامات الأنهار الدولية المشتركة بينها والمشابهة لوضع نهري دجلة والفرات كنهرين دوليين، وقد أشير في تلك المعاهدات إلى استلهام قواعد القانون الدولي ذات الصلة ومبادئ حسن الجوار.

فقد اعترفت تركيا نفسها في أكثر من معاهدة أن “النهر التعاقبي” هو نهر دولي تنطبق عليه القواعد القانونية الدولية الخاصة بالأنهار، كما جاء في ديباجة المعاهدة الموقعة بين بلغاريا وتركيا في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1968 والتي أصبحت نافذة في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1971.

كما أن البروتوكول المؤقت الموقع عام 1987 بين تركيا وسورية والمسجل لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة أصولاً بتاريخ 1 حزيران/يونيو 1993 والذي أعطى لسورية 500م3 /ثا، ألزم تركيا بواجب التوزيع النهائي لمياه الفرات، إذ أن كمية المياه المذكورة أعلاه تم تحديدها بانتظار التوزيع النهائي. الأمر الذي يشكل اعترافاً صريحاً بالصفة الدولية للنهر. حيث ورد ذكر توزيع الفرات مرتين على الأقل في هذا البروتوكول.

وبناء على ما تقدم يعد رفض الجانب التركي للتوزيع النهائي لمياه نهر الفرات مخالفة واضحة لمبادئ القانون الدولي لجهة التوزيع العادل والمنصف لمياه هذا النهر بوصفه مجرى دولياً، ولجهة عدم التسبب بأضرار جسيمة للدول المتشاطئة على هذا النهر، وانتهاكاً لمبادئ حسن الجوار المتفق عليها في القانون الدولي.

*رؤية غريبة من نوعها    

*وختاماً أكد المحامي جاويش إن استمرار تركيا بتخفيض المياه في مجرى نهر الفرات، يشكل مخالفة للقانون الدولي المذكور.

ووصف سلوك الحكومة التركية تجاه سورية بخصوص نهر الفرات بقوله: اكتشفت الحكومة التركية أن نصوص القوانين والمواثيق والشرائع الدولية التي تنظم الاستفادة من الأنهار الدولية المشتركة، لا تناسبها، فقررت استبدالها بنصوص أخرى من صنعها.

aqtini58@gmail.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ