جديد 4E

نقد نظرية الخطف خلفاً

علي محمود جديد

لم تعد نظرية الاستحضار أو الاسترجاع أو الخطف خلفاً، تعني انقطاع التسلسل الزمني أو المكاني للقصة أو المسرحية أو الفيلم، لاستحضار مشهد أو مشاهد ماضية، تلقي الضوء على موقف من المواقف أو تعلق عليه، فقد حصلت تطورات مذهلة لم تخطر على بال أحد، حيث تمكنت وزارة النفط والثروة المعدنية عندنا، وابنتها ( محروقات ) من ابتكار طريقة تلغي من خلالها ضرورة الانقطاع الزمني والمكاني للأحداث، نافيةً عنها ضرورة التسلسل، وصار لا داعي للاستحضار والاسترجاع وتعب القلب بهذا التشابك، وإنما الأحداث التي يجب أن تكون قد مضت صار بالإمكان السيطرة عليها مجدداً، وأن نعيشها بالوقت الحاضر هي ذاتها، سواء من جهة الزمان أو المكان..!

  كانت هذه التقنية في الأصل مقصورة على السينما، إلا أن الكتاب وظفوها في الأدب المسرحي والشعر والأعمال الروائية وبخاصة الرواية البوليسية التي كثيراً ما تبدأ بنهاية الأحداث، ثم تسترجع وقائع الجريمة شيئا فشيئا.

ابتكار وزارة النفط اليوم لا يعترف بكل هذه التقنية، إذ يمكننا أن نتخيّل بأنّ الأحداث بدأت من النهاية مباشرة، دون أي ضرورة للبدايات والوقائع، فقامت بالقفز ( سقط لقط ) إلى النهاية .. والبدايات والوقائع ( الماضية ) لم تبدأ بعد.. وهي ستأتي لاحقاً !

فقد طلبت وزارة النفط والثروة المعدنية من جميع فروع الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات) استلام جميع الثبوتيات من المواطنين بما يخص تعديل البيانات الخاصة لمن يملك أكثر من بطاقة إلكترونية ليصار إلى معالجة تصحيح البيانات.

طبعاً هذا الطلب جاء بعد أن قررت وزارة النفط وضع النهاية المتمثلة بوقف تزويد شريحة البنزين المدعوم عن السيارات الخاصة العائدة لكل شخص مسجل على اسمه أكثر من سيارة، وكان من المفترض – من حيث التسلسل الزماني والمكاني – أن يتم التصحيح أولاً ومن ثم اتخاذ هذا القرار.

والأنكى من ذلك أنه حتى الآن ما يزال الذين يطولهم هذا القرار ( كمن على رأسه الطير ) فقد توقفت مخصصاتهم بالكامل، والوزارة تقول أنها ( بعد أيام قليلة ) ستقوم فروع شركة محروقات في جميع المحافظات باستلام الأوراق والثبوتيات عبر التسجيل الإلكتروني من خلال تطبيق سيتم تفعيله قريباً.

نأمل من أساطين الدراما أن لا يفوّتوا هذه الفرصة الإبداعية الجديدة، فلم يعد هناك داعٍ لاستحضار المكان ولا لاسترجاع الزمان وإنما حضور المكان ورجوع الزمان .. بعد النهايات ..!